ذهب الظل - الجزء الثاني

 

أولاً : 

وفق موقع murderpedia.com. وهو موقع إلكتروني متخصص في شؤون القتلة، كان السكين سلاح نوي المفضل. وقد أطلقت عليه صحيفة «التلغراف» Telegraph وصف القاتل القادم من عالم العصابات المليونير فاحش الثراء». كان يمتلك عزبة من ثماني حجرات في كينت وفيلا في قبرص، ويختا بقيمة 700 ألف جنيه إسترليني. كان مهووسا بصهر المعادن، وقد بدأ بخلط الذهب بالنحاس لتشكيل سبائك متدنية الجودة (العيار) وبيعها (كما كان يعتقد) في سوق الذهب المستعمل من دون لفت الانتباه يمثل سوق الذهب المستعمل تجارة قوامها شراء الذهب نقدا وإعادة تدوير المجوهرات في هيئة سبائك ويحتاج الأمر إلى الكثير جدا من خواتم الزواج الذهبية للوصول إلى ما يعادل 10 ملايين جنيه إسترليني، وهو المبلغ الذي أودعه نوي ومشاركوه، رزمة رزمة، في أحد مصارف بريستول. وقد أثارت عملية الإبداع انتباه مفتشي المصرف الذين أبلغوا جهاز الشرطة البريطانية (سكوتلنديارد). وبدأت الشرطة بمراقبة نوي. وفي ليلة من ليالي يناير 1985 كان المحقق ضابط الشرطة جون فوردهام John Fordham مختبئا في الفناء الخلفي لمنزل نوي يراقب المنزل عندما عثرت عليه كلاب روتوپلر Rottweiler التي تحرس المنزل. ولأن الشرطة البريطانية لا تحمل المسدسات في العادة، كان فوردهام قد ارتدى زيا مموها بقصد التخفي وانقض عليه نوي بالسكين، وطعنه إحدى عشرة مرة، فأرداه قتيلا. واستطاع نوي في أثناء المحاكمة التي أقيمت للنظر في هذه الجريمة إقناع هيئة القضاة أن ما فعله كان لردّ خطر هجوم مطوف يتربص به لسرقته. وهكذا نال البراءة. بيد أن المحققين الذين فتشوا منزله تفتيشا دقيقا عثروا على إحدى عشرة سبيكة ذهبية لفت بالقماش ودفنت في حفرة للصرف الصحي. وأودع نوي السجن لتواطئه في الاتجار بالمسروقات. كان الجناة المتواطئون وهم العقل المدبر للجريمة، قد أودعوا السجن مسبقا. واستطاعت الشرطة على الفور، أن توقع بحارس الأمن الذي كان يعمل مع الشركة، واعترف بفعلته وبعد ثلاثة عشر شهرا من عملية السطو جرت محاكمة زعيمي العصابة في محكمة أولد بايلي وصدر بحق كل منهما حكم بالسجن خمسة وعشرين عاما ويبدو أن الاثنين حاولا التوصل إلى تسوية لتخفيف الأحكام الصادرة بحقهما، من خلال الكشف عن مكان إخفاء الذهب.

 

ثانياً : 

بيد أن الذهب لم يكن في المكان الذي اعتقدا وجوده فيه، لأن بيري نقله إلى نوي، أو على نحو ما نقل بعضا منه. يعيش أرباب الجريمة حياة مضطربة، سواء كانوا ممن ينشلون محفظات النساء أو ممن يسرقون سبائك الذهب. خرج نوي من السجن في العام 1993، وفي العام 1996 قتل سائق سيارة عابرة طعنا في مشاحنة نشبت بينهما على الطريق وهرب إلى إسبانيا في طائرة وضعها تحت تصرفه جون جولد فينجر» بالمر John Goldfinger Palmer وهو من تجار الذهب وأرباب الاحتيال في بريستول، وقد وجهت إليه قبلا تهمة المتاجرة في ذهب برينكز - مات. برى منها. وبعد هرب نوي بعامين تعقبته الشرطة وأعادته إلى إنجلترا، وحكم عليه في العام 2000 بالسجن المؤبد. وبعد عام توفي بريان بيري الذي جند نوي. في الشارع بعد أن أطلقت عليه النار مجموعة من القتلة المأجورين فاردته قتيلا بثلاث طلقات في مؤخرة الرأس. وترنحت أجساد أخرى على الأرض أيضا. وقد عددت صحيفة «ميرور» Mirror في العام 2012 ثمانية عشر رجلا قتلوا على مر السنوات، وكانوا على صلة بذهب برينكز - مات ومنهم قاتل محترف من أوساط الجريمة يعتقد أنه دفن في ناحية ما داخل الأساسات الإسمنتية لحلبة الحفلات أو تو 02 بغرينتش، جنوب شرق لندن وهكذا يكتظ المشهد بالجثث، لكن أين الذهب؟ لقد تلاشى في عمليات بيع الذهب المستعمل ببريستول، واسترد بعضه من الحفرة التي عثر عليها في منزل نوي. وفي العام 2008 في مداهمة شملت آلاف صناديق حفظ الودائع عبر لندن اكتشفت الشرطة حقائب محشوة بطرود بلاستيكية بداخلها حبيبات الذهب. ووفق قائد عمليات الشرطة البريطانية كانت ملفوفة كأنها رزم كبيرة من حبوب البازلاء». كانت المداهمة عملية عشوائية هدفها الكشف عن عوائد الجريمة، وقد اعتقد المحققون أن الذهب كان جزءا من خبيثة برينكز - مات، إذ لايزال نحو ثلثي الشحنة مفقودا. كانت قيمتها بأسعار اليوم ستبلغ نصف مليار دولار. وفي العام 2012 أخبر أحد المحققين صحيفة ديلي ميل Daily Mail عن اعتقاده أن بقية الذهب كان لايزال مخبأ في مكان ما، وأن عصابتين لندنيتين على الأقل بدأنا منذ مدة كسر بضع أذرع، للوصول إليه.

 

ثالثاً : 

جريمة صنوان. إن من الغايات الأساسية لطقوس إصدار النقود المهيبة المعروفة بمحاكمة البيكس Trials of the Pyx، الكشف عن حالات الاحتيال. ففي أحد هذه الطقوس التي تعود إلى العام 1282، يجر الحمالون العاملون لدى دار السك الملكية Royal Mint صناديق القطع النقدية إلى قاعة صاغة الذهب Goldsmiths Hall حيث ينتظر القاضي الإنجليزي بردائه الأحمر، ويعرف بحامي إيرادات التاج  ) مع هيئة خبراء المعايرة. كانت تلك الطقوس أسهل مهمات تنظيم شؤون الذهب ولم يكن من السهل اكتشاف حالات التلاعب التي كانت تنتاب تجارة الذهب.

رابعاً : 

 كانت تلك الحالات أحداثا خفية، أطيافا غير منظورة تجوب فضاءات الأعمال التجارية، ولا يمكن إدراكها أو تفسيرها، وكانت تثير الهلع للسبب نفسه. لقد هز السوق أحد تلك الأحداث على مدار أسبوعين في شهر يوليو 2010). عندما جلبت صفقة عظيمة الحجم، تعذر ،تفسيرها قدرا كبيرا من السبائك إلى حيث لم يتوقع القائمون على رصد تلك التحركات وجودها. ولدى الكشف عنها تعاظم ارتباكهم حول الأسباب الكامنة وراءها، وذلك بفعل الصمت المطبق الذي انتاب المصرف السويسري المغمور بنك التسويات الدولية (BIS) يعرف هذا المصرف، الذي يقع مقره الرئيس في بازل بأنه مصرف المصارف المركزية. وذلك باعتباره الجهة التي تلجأ إليها المصارف المركزية للاقتراض. ولهذا السبب، يتمتع المصرف بنفوذ عظيم. ويضم بين أعضاء مجلس إدارته رئيس مجلس الاحتياطي الفدرالي بين بيرنانكي Ben Bernance إضافة إلى محافظي المصارف المركزية لدول مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا وكندا واليابان وأستطيع القول، من واقع الخبرة، إن هذه الشخصيات هي الأكثر اعتصاما بالصمت في أوروبا. لقد رفع بنك التسويات الدولية حالة الصمت المطبق إلى مستوى المنافسة في الرياضات الأولمبية.

خامساً : 

 وفي كل منافسة حيث كان الهدف إعاقة حركة الخصم حصد البنك كل الميداليات إن عجزه عن تقديم تفسير كامل لتلك الصفقة أضاف مزيدا من الغموض لمسائل تكتنفها السرية أصلا، وهكذا اتجه سعر الذهب إلى الهبوط وسط حالة من الهلع. كان سبب الهلع حاشية ظهرت في التقرير السنوي للبنك، إذ كشفت تلك الحاشية أن مصرفا أو مجموعة من المصارف قد أقرض/ أفرضت بنك التسويات الدولية 349 طنا متريا من الذهب مقابل النقد كانت الصفقة هائلة الحجم- ما يعادل سدس إنتاج العالم السنوي من الذهب - بحيث إن خير الصفقة، ومن دون إيراد تفصيلات توضيحية أصاب سوق سبائك الذهب بالذهول من كانت الجهة المقرضة للذهب، وما السبب؟ هل ثمة مصرف يعاني مشكلات مالية؟ هل هذا المصرف مصرف مركزي ؟ وما المعلومات التي توافرت لديه، ولم تتوافر لدى سوق السبائك؟ وهكذا ملأت الأسئلة الأجواء، وبدأ المستثمرون يخرجون من استثمارات الذهب، وفقد سعر الذهب 40 دولارا في يوم واحد. فيما يأتي تعليل لانخفاض السعر. لقد أخذت الصفقة هيئة المبادلة المؤقتة Swap حيث تمت مبادلة الذهب بالنقد مع الاتفاق على استرداد الذهب في موعد مستقبلي. وعلى غرار رهن المجوهرات في محلات الرهن، لا يستردها مالكها إلا إذا سدد القرض. وبغض النظر عن الجهة التي أجرت المبادلة، ارتفع عرض الذهب أربعة عشر مليار دولار كان ما أثار حفيظة سوق الذهب التساؤل حول مصير الذهب إذا لم يسدد قرض الأربعة عشر مليار دولار كان السعر قد تراجع فعلا، في خضم إقبال صناديق الاستثمار المتداولة على بيع الذهب هل كانت كمية 349 طنا ستطرح بصورة مفاجئة للبيع إذا لم تستطع الجهة القائمة بالمبادلة سداد القرض؟ لا شك في أن طرح كمية 349 طنا من الذهب في السوق سيقوض سعر الذهب. ودارت الشكوك حول الجهة التي أعوزها النقد. كان ثمة كثير من المرشحين المحتملين. وكانت المخاوف من تخلف الدول الأوروبية عن سداد ديونها قائمة أصلا..