صندوق سبايدر - الجزء الخامس

 

أولاً :

لو أن الذين سعوا إلى التخلص من الذهب يوم 7 سبتمبر كانوا يستهدفون إشاعة الهلع في السوق، فقد اختاروا التوقيت المناسب. إذ كان السوق في حالة هلع قبلا كانت أوروبا على شفا ما أطلقت عليه مجلة ذي إيكونومست The Economist أعظم الأزمات التي أحاقت بالمشروع الأوروبي في تاريخها» - وهو اليورو الذي أوشك على الانهيار (20) . وفي الولايات المتحدة تحول الصراع بين الأحزاب حول ما ينبغي فعله بشأن الدين الوطني إلى حرب دينية كان البعض يرى الاقتصاد سيترنح إذا لم تتدخل الحكومة، مثلا بفرض زيادات ضريبية على الأغنياء؛ في المقابل كان هناك من يرى أن مثل هذا التدخل سيؤدي إلى انهيار الجمهورية. وفي هذه الأثناء تراجعت قيمة الأسهم الأمريكية بمقدار 1.1 تريليون دولار في خضم اضطرابات استمرت أربعة أيام ) .

ثانياً : 

 وأوشكت الحكومة الأمريكية على الإفلاس. ودخل ممثلو الأحزاب الغاضبون في مماحكات داخل الكونغرس. لقد وصل الأمر بسعر الذهب إلى مقصلة اليأس. وفقد في أسبوع واحد 200 دولار كانت الثقة في الذهب تتهاوى في أكبر أسواقه أي سوق المستقبليات (العقود( ، يستطيع المستثمرون المراهنة على المستوى الذي سيبلغه السعر في تاريخ مستقبلي محدد سلفا للدخول في التعاقد يتعين على البائع إبداع نسبة محددة من قيمة العقد لدى بورصة السلع. هذا الضمان يوفر للبورصة شيئا تضع يدها عليه إذا انقلب السوق في غير مصلحة الطرف المتعاقد، وكان هناك ما يضطره إلى التخلي عن العقد. ولمواجهة التقلبية المتصاعدة في سعر الذهب في نهاية سبتمبر، عملت مجموعة بورصة شيكاغو التجارية Chicago Mercantile Exchange Group وتعرف اليوم اختصارا أكبر أسواق السلع في العالم، على رفع سي إم إي CME Group وهي مستوى الضمان الذي تطلبه على الذهب إلى 21 في المائة. كانت تلك الزيادة في هامش تداول الذهب الثالثة في غضون أسابيع. وهكذا وصلت الزيادة الإجمالية، وفقا لإشعار صادر إلى العملاء من أحد المصارف الكبرى (25)، إلى 90 في المائة، مما اضطر المستثمرين - الذين تعذر عليهم تقديم مثل هذا الضمان - إلى تسييل مراكزهم الاستثمارية في الذهب والخروج من السوق كانت عمليات التسييل تضغط على السعر نحو الانخفاض. كان سعر الذهب أيضا فريسة للشكوك الدائرة حول صناديق الاستثمار المتداولة (26). ذلك أن سوق الذهب يعمل ضمن حلقة يسودها الشك. يعتبر المتحمسون للذهب عادة من المتشككين فهم يشككون في النقد الورقي والحكومات لكن قد يصدر هذا السلوك أيضا عن أي شخص.


ثالثاً : 

ولا يحتاج المرء إلى التمحيص كثيرا ليلمس الشكوك الدائرة حول حيازة صناديق الاستثمار المتداولة للذهب بصورته المادية، كما هو حري بها. وربما أن المنتجات الاستثمارية مثل سبايدر بطبيعتها مثار شكوك، خصوصا في ضوء النجاح المبهر الذي حققه. وقبل أن يتحول السوق إلى موقف الضد من الذهب بات سبايدر أكبر صناديق الاستثمار المتداولة من نوعه. وصلت ملكية الصندوق في سبتمبر 2011 إلى 1232 طنا متريا من الذهب، أو ما يعادل 40 مليون أوقية. وكانت تلك الكمية جميعها محفوظة في مخازن الذهب بلندن العائدة إلى أمين الحفظ الذي يقدم خدماته للصندوق، وهو مصرف إتش إس بي سي HSBC وباعتبار أن صندوق الاستثمار المتداول هو في نهاية المطاف صنيعة شركات التنقيب عن الذهب، فيمكن القول إنه استطاع تبسيط عملية تدفق الذهب من حيز تحت أرضي إلى حيز تحت أرضي آخر. هل هذا صحيح ؟ هل كان الذهب عند نهاية مجرى التدفق حقيقيا كالذهب عند بدايته ؟ لقد حيّر هذا السؤال عقول البعض. على موقع حصص الاستثمار في الذهب (سبايدر) على الشبكة الدولية spdrgoldshares.com، يمكن للزائر التصفح ليجد صورة للسبائك الذهبية الموجودة في حساب صندوق سبايدر. ويشير الصندوق إلى أن الحصص فيه تمثل ملكية سبائك حقيقية محفوظة في خزانة موجودة فعلا. هذا الذهب يسمى «الذهب المخصص»  


رابعاً : 

في الحساب المخصص لا يبرز الأصل بمجرد أن يطلبه صاحب الحساب كما هي حال المال في الحساب المصرفي، وإنما يظل في وعائه الخاص دائماء فلا يستخدمه أحد سواه، أيا كان إن الأمر شبيه بإيداع النقود لدى المصرف ووضع المصرف تلك النقود نفسها في صندوق منفصل وحفظه فيه لأجل المودع، وبصورة مستقلة عن أموال المودعين الآخرين. فمهما حدث للودائع الأخرى، تظل وديعة ذلك المودع على حالها. وعندما ينص صندوق سبايدر على أن الذهب الذي لديه ذهب مخصص فهذا يعني أن أمين الحفظ يبقيه مستقلا عن باقي الذهب. فهو دائما ذهب سبايدر، ولا أحد سواه. يقدم الموقع الإلكتروني لسبايدر أيضا قائمة بكل السبائك الموجودة في حساب الصندوق، وتحمل كل سبيكة رقمها التسلسلي الخاص ولها وزنها الإجمالي ووزنها «الصافي» - وزن محتواها الفعلي من الذهب ويشار أيضا إلى أن تحديد نقاء السبائك يقوم على معايير التسليم الصحيح Good Delivery المعتمدة في سوق لندن - والتسليم الصحيح هو معيار تجاري يحدد نقاوة الذهب الدنيا بـ 995 جزءا لكل 1000 جزء من الذهب الخالص. وتتوالى الشائعات عموما حول صناديق الاستثمار المتداولة التي محلها الذهب من حيث عدم امتلاكها ما يكفي من الذهب التلبية طلبات استرداد كل الحصص فيها. ووفقا لذلك، فإن ارتفاع طلبات الاسترداد سيؤدي إلى انهيار تلك الصناديق باعتبارها لا تمتلك الذهب الكافي لمواجهة تلك الطلبات هذه الشائعات وفقا لما أشار إليه أحد العملاء في مذكرة قدمها لهذا الغرض، كما ورد ،سابقا ساعدت على دفع سعر الذهب نحو الانخفاض. وقد كتب أحد المعلقين في ورقة ألحقت بتلك المذكرة: «تتخذ أكبر صناديق الاستثمار في الذهب والفضة الآن موقفا دفاعيا باعتبار أنها قد تواجه قريبا انسحاب أعداد كبيرة من المستثمرين على خلفية الحسومات الكبيرة في الأسعار الفورية للمعادن الثمينة أي السوق الهبوطية والشكوك حول مستويات الذهب الحقيقي الذي بحوزة تلك الصناديق فعليا». لقد أقفل شهر سبتمبر من العام 2011 بنعوت جمعت معاني الألم والوحشية والفوضى (27). وفي أسوأ فصول العام على مدار ثلاث سنوات، تحول السوق إلى ضرب من سلسلة أفلام الرعب «الجمعة ثالث عشر أيام الشهر Friday the 13th، كانت طعنات السكاكين تطول كل من تصادف وجوده في المكان ولو كان الذهب يعتبر من أصول الملاذ الآمن، فإن الصوت الذي لا بد أننا سمعناه صوت غلق باب الخزانة وقد حبس المستثمرون أنفسهم داخلها مع سبائك الذهب. ولكن خلافا لذلك، لم تؤد حالة الإنذار إلى دفع رؤوس الأموال المذعورة نحو الاستثمار في الذهب، بل نحو ذلك الملاذ الورقي الذي استخف به أنصار الذهب - أي الدولار الأمريكي. لقد فقد الذهب دعامة ارتكازه عندما انقطعت علاقته الرسمية بالنقود وهو اليوم يتقلب على أمواج بحر الأحداث نفسها، مثل غيره من الأصول. فهو لا يشكل فئة أصول قائمة بذاتها كما قضى بذلك التاريخ: لقد كان كذلك في الأيام الخوالي فقط. " 


خامساً : 

ارتفع احتياطي العالم من الذهب في 150 عاما من 10 آلاف طن متري إلى 170 ألف طن متري من مكعب متواضع طول ضلعه ست أقدام، إلى كتلة هائلة تغطي الملعب الداخلي في إستاد يانكي Yankee Stadium. إننا نضيف إلى هذه الكتلة في كل ثلاث سنوات، ذهبا جديدا يعادل ما استخرجه أجدادنا في ستة آلاف عام وإننا نتداوله وقد غلب علينا الهوس. ففي كل ثلاثة أشهر تتنقل كمية من الذهب تعادل ضعفي الكمية المستخرجة عبر التاريخ رواحا ومجينا في لندن عبر زوبعة من عمليات التداول. وهذا هو حال المعدن فقط. أما التداول الرديف فيمثل إعصارا عاتيا من الأدوات المشتقة. ومع ذلك فقد تسارعت وتيرة تجارة الذهب إلى مستويات السرعة الفائقة التي اكتسبتها التجارة المعاصرة، وإن أعرافها وتقاليدها محاطة بغلالة السرية كما الحال دائما، إذ إنها أقرب إلى مكائد أروقة الحكم منها إلى أصول العمل التجاري.