دعوى كامبيل القضائية

أولاً 

أقام کامبیل دعوى قضائية على المصرف وطلب من المحكمة أن تحظر على المصرف تسليم الذهب إلى الحكومة الفدرالية واحتج كامبيل بأن الأمر التنفيذي والقانون الذي اعتمده الرئيس مصدرا لسلطته في هذا المجال. كانا مخالفين للدستور. وردت الحكومة باتهام كامبيل رسميا بتخلفه عن إبلاغ الخزانة بما يمتلكه من ذهب ووجهت إليه أيضا تهمة رسمية باكتناز الذهب ولو أنه أدين بهاتين التهمتين لكانت عقوبته الحبس مدة أقصاها عشرون سنة، ولم ينته أمره إلى السجن، لكن دعواه القانونية أخفقت في تحقيق غايتها، وتوفي كامبيل بعد ثلاث سنوات بأزمة قلبية في نادي ميتروبوليتان شرق الشارع 26 حيث كان يعيش وحصلت الخزانة الأمريكية على الذهب. ومع تحول الذهب الخاص  إلى الحكومة امتلأت خزائتها. وبحلول العام 1930 بانت الولايات المتحدة تمتلك نحو سبعة آلاف طن من الذهب. وفي العام 1935ء بعد عامين من بدء عمليات المصادرة، وصل مخزون الذهب إلى نحو عشرة آلاف طن، لكن مصدر كل تلك الزيادة لم يكن الذهب الخاص. ذلك أن تنامي مخاوف الأوروبيين من اقتراب الحرب، دفع البعض إلى نقل ثروته عبر المحيط إلى الملاذ الآمن المتمثل في الولايات المتحدة.



ثانياً : 

وأدى ذلك إلى زيادة تدفق سبائك الذهب إلى الخزانة الأمريكية. ومع اندلاع الحرب العالمية في العام 1939 أصبحت الولايات المتحدة. التي لم تتأثر صناعاتها إطلاقا، وكانت تفصلها سنتان عن الانضمام للحرب، موردا مهما للسلاح والسلع الأخرى إلى الأطراف المتحاربة. وهكذا ارتفعت واردات الذهب بشدة. وفي العام 1940 بلغ احتياطي الخزانة الأمريكية 21 ألف طن من الذهب وهذا يمثل زيادة تفوق مائة في المائة في غضون خمس سنوات. كذلك لم تقتصر الزيادة على حجم الاحتياطي وحده فقد زادت تكلفة أونصة الذهب من 20.67 دولار إلى 35 دولارا، بنسبة ارتفاع قدرها 70 في المائة تقريبا. وحدث ذلك بسرعة بالغة، ولسبب واحد هو أن الولايات المتحدة كانت تتلاعب بالسعر منذ سنوات.



ثالثاً : 

 وبعد أن أصدر روزفلت الأمر التنفيذي بمصادرة الذهب، مباشرة، حصل على صلاحية تقليل كمية الذهب المغطاة بالدولار بنسبة 60 في المائة. وارتفع سعر شراء أونصة الذهب بالدولار. وبذلك ستتراجع قيمة الدولار عن المستوى المعهود. لكن سيرتفع عرض الدولار، وهذا ما أراده روزفلت - أي ضخ المزيد من العملة في التداول لتحفيز الاقتصاد وانتشاله من حالة الكساد. كان رفع سعر الذهب عملا سهلا إذ عملت الخزانة على رفعه من تلقاء نفسها. وبين هنري مورجينثاو الابن Henry Morgentha, r. وكان وزير الخزانة في عهد روزفلت في مذكراته كيف تلاعب والرئيس بالسعر: اعتاد فرانكلين روزفلت أن يتمدد مسترخيا على سريره الماهوغاني المزدوج الصغير عتيق الطراز، ولم يكن سعر الذهب الحقيقي في يوم بعينه ليشكل أي فارق كان هدفنا ببساطة أن نحافظ على هذا المنحى الصعودي تدريجيا. وفي أحد الأيام عندما كان يجدر بي أن أوافيه والقلق يساورني على غير العادة بشأن أوضاع العالم، كنا نخطط لزيادة سعر الذهب من 19 إلى 22 سنتا وحد جني روزفلت بنظرة، ثم اقترح أن تكون الزيادة إلى 21 سنتا، وقال الرئيس ضاحكا: «هذا من أرقام الحظ لأنه ثلاثة أضعاف الرقم سبعة». لقد وفر احتياطي الذهب الضخم لدى الولايات المتحدة، التي حافظت على مستوياته طوال فترة الحرب، عامل قوة فريدا بيدها لتشكيل عالم ما بعد الحرب، وذلك بفضل إحدى مآثر الإدارة السياسية المحنكة التي تجلت في جبال نيو إنجلاند New England بغرض إيجاد مكانة للدولار ستضمن للخزانة الأمريكية مصدرا رخيصا للنقد منذ ذلك التاريخ. في يوليو 1944، بعد أسابيع فقط من يوم النصر (**)، اليوم الذي نزلت فيه جيوش الحلفاء الغازية في نورماندي في حملة ستنتهي بهزيمة ألمانيا، وصل ممثلو أربع وأربعين دولة إلى مقر الاجتماع الذي يبعد آلاف الأميال للتخطيط لكسب المعركة.



رابعاً : 

وفي بلدة بریتون وودز Bretton Woods الواقعة في غابة نيو هامشاير، انطلقت سيارات سوداء صقيلة عبر الطريق المؤدي إلى فندق جبل واشنطن Washington Mountain Hotel.. الفاخر. وفي غضون أيام كان 730 من أعضاء الوفود يعكفون على صياغة قواعد المالية الدولية. وأطلق أحد المشاركين الأمريكيين شعارا حماسيا: «نقاتل معا في ساحات الوغى المخضلة كان اسمه فريد إم فينسون Fred inson، وسيتبوأ فيما بعد منصب كبير قضاة الولايات المتحدة. وأضاف: نخوض معا البحر الأزرق المهيب. ونحلق معا في أثير السماء، إن الاختبار الحاسم لهذه الثقة يتمثل في مدى قدرتنا على السير معاء في الطريق نحو السلام، تماما كما أننا اليوم سائرون نحو النصر». لا شك في أنهم سيسلكون الطريق نحو السلام توجههم الولايات المتحدة في كل خطوة عبر هذا الطريق يبدو أن أمريكا وبريطانيا كانتا تتقاسمان القوة المؤثرة في بريتون وودز الولايات المتحدة لأنها كانت دولة غنية ومتفوقة عسكريا، وبريطانيا باعتبارها إمبراطورية مترامية الأطراف. لكن القوة البريطانية كانت قوة وهمية. وتظهر إحدى وثائق اجتماعات بريتون وودز التي اكتشفت أخيرا أن الإمبراطورية كانت تتفكك أمام أعيننا»، على حد تعبير أحمد الخبراء الذين قرأوا تلك الوثيقة.



خامساً :

 وأما بريطانيا، التي أنهكتها الحرب ورزحت تحت وطأة الديون، الطريق التي أرادتها الولايات المتحدة. ومع أنها كانت تعارض الولايات المتحدة أحيانا، فقد كان هذا شأن كل الدول. وقد خاطب مورجينثا و أحد أعضاء فريقه قائلا: «إن الأفضلية لنا الآن. وأعتقد شخصيا أنه يتعين علينا انتزاعها عنوة. : وقد انتزعوها حقا. ولم يكن هناك مجال للعودة إلى نظام معيار الذهب، لأن الولايات المتحدة كانت تمتلك 75 بالمائة من الذهب النقدي) في العالم. ووافق المشاركون في بريتون وودز على ربط عملاتهم بالدولار الأمريكي بدل الذهب؛ وأصبح الدولار قابلا للتحويل إلى ذهب. ونصب هذا النظام الدولار عملة احتياطي للعالم، وأسبغ عليه مزايا الأفضلية التي لايزال يتمتع بها. إن معظم أسعار السلع الأساسية Commodities مقومة بالدولار ولا يضطر الأمريكيون الذين يشترون هذه السلع إلى تحمل تكاليف المعاملات التي يتعين على مواطني الدول الأخرى دفعها للحصول على الدولارات اللازمة لإتمام عملية الشراء. كما أن حاجة المجتمع الدولي إلى الدولار تعني أيضا أن لدى الخزانة الأمريكية سوقا جاهزة لديونها، وأن بإمكانها، بشكل عام تقليص الفوائد التي تؤديها على تلك الديون. تقد بانت الولايات المتحدة، بعد تعافيها من آثار الحرب، قرن الخصب  الذي يلبي حاجة العالم، خاصة إلى رأس المال. لقد أرادت الولايات المتحدة خلق أسواق منفتحة وتجارة حرة وساعدت اثنتان من المؤسسات التي ولدت من رحم بريتون وودز، وهما صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الولايات المتحدة في تحقيق هذه الغايات وتدفق الدولار إلى الدول التي مزقتها الحرب، وبدأت اقتصاداتها تتعاف. وكما توقع الأمريكيون تماما، كان تدفق الأموال خارج الولايات المتحدة يقابل بتدفق الأموال إليها بمرور الوقت حيث باتت الاقتصادات الوطنية بعد الإعمار تمتلك القدرة على شراء المنتجات الأمريكية. ساد هذا الواقع ردحا من الزمن حيث كانت اليابان وأوروبا متعطشتين للدولارات اللازمة لشراء البضائع الأمريكية من سيارات وفولاذ وآلات . ولكن بدءا من العام 1950 هبطت حصة الولايات المتحدة من الناتج العالمي من 35 بالمائة إلى 27 بالمائة.