صندوق سبايدر

 

أولاً : 

بلغت القيمة الإجمالية للذهب المستخرج في أعمال التنقيب في عام 2011 نحو 143 مليار دولار أمريكي، أما القيمة المتداولة فقد تجاوزت هذا بكثير، إذا شهدت لندن، في مدة ثلاثة أشهر فقط، تداول 11 مليار أوقية من الذهب بقيمة 15 تريليون دولار، ولم يتبين الحجم الفعلي لهذا السوق إلا في هذا العام،  ذلك أن حركة تداول الذهب غير منظورة، ومعظم عمليات التداول تنفذها مجموعة من المصارف في لندن، هذه المصارف نفسها قادت جهود الكشف عن حجم السوق، وكان مسوغها في الكشف عن حجم تداول السبائك الوصول إلى فئة جديدة تماماً من العملاء، أي المصارف، وضمن الجهود المبذولة لتعزيز مكانة الذهب، باعتباره غطاء السيولة، وهو نوع من الأصول "الموجودات" الرأسمالية، التي كان يطلب من المصارف الأوروبية حيازتها، فقد أرادات الجهات العاملة في سوق السبائك أن تكشف للجهات الرقابية المصرفية الأوروبية حجم سوق الذهب، في أول الأمر، كان على تلك المصارف أن تعرف ذلك بنفسها.


ثانياً : 

أجرت مؤسسة سوق المعادن النفيسة اللندنية استبيانا لآراء أعضائها عن حجم التداول اليومي، ومعظم تداولات السبائك في لندن، أقدم أسواق العالم وأهمها، على أساس مباشر من دون وسيط، هذه الصفقات تطلع عليها الأطراف ذات العلاقة، من دون غيرها، ولا تترك خلفها أي أثر للجمهور، وعندما ظهر حجم هذه التداولات إلى العلن كان الأثر يبعث على الدهشة، ففي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2011 بلغت قيمة الذهب المتداول، 15 تريليوناً، و200 مليار دولار، من حيث حجم التداول، كان هذا الرقم يعادل 125 ضعف ما انتجه العالم في هذا العام، أو ضعفي كمية الذهب المستخرجة عبر التاريخ.


ثالثاً : 

لقد أدى انتشار حجوم التداول المذكورة إلى تغيرات سريعة في سعر الذهب، وتجعل الوسائل الاستثمارية الجديدة من تداول السبائك أمراً في غاية السهولة، فلا يضطر المضارب إلى شراء سبائك الذهب من التجار المتداولين، إذ يستطيع أن يرفع سماعة الهاتف ويشتري حصصا في صناديق الاستثمار التي توظف أموالها في السبائك، وقد ظهر أكبر هذه الصناديق في عام 2004، قبل سبع سنوات من معرفة سوق سبائك لندن حجمه الحقيقي، وقد أحدث مؤسسو هذا الصندوق شرخاً في جدار كان يحجز وارءه فيضاً من الطلب، وهكذا تدفقت الأموال إلى هذا السوق، وفي بضع سنوات تجاوز ما في خزائن هذا الصندوق من الذهب احتياطات الذهب في المصرف المركزي الصيني، وبدأ محللو السبائك مراقبة تدفقات الذهب الداخلة إلى الصندوق وخارجه باهتمام كبير، على غرار متابعاتهم لمؤشرات السوق الأساسية مثل الطلب على المجوهرات، في عالم الذهب يعرف هذا الصندوق باسم سبادير.

 

وسبايدر من صناديق الاستمثار المتداولة في الأسواق المنظمة، وهو عبارة عن استثمار يتكون من سلة من الأصول (الموجودات)، يجري تداولها بسهولة تداول الأسهم، لكن الصندوق يضم أصلاً واحداً فقط، سبائك الذهب، لقد اشتقت تسمية سبايدر من الاسم الكامل للصندوق، وهو حصص الذهب المرتبطة بأداء شهادات إيداع مؤشر ستاندر أند بوزر، أول صندوق استمثاري متداول يأخذ هذا الاسم، أو SPDR اختصارا)

رابعاً : 

وسبادير (العنكبوت) اسم على مسمى، إذ يسمح للمستثمرين فيه بالتجاوب بسرعة العنكبوت مع أدنى تغير في مزاج الاستثمار، وبتوفير سبل التخلص من متاعب حيازة الذهب في صورته المادية وإيجاد خزائن له واستئجارها، فقد طور الصندوق أساليب ملكية الذهب أكثر من الأساليب الأخرى، التي عرفت منذ نشأة النقد الذهبي، في القرن السابع قبل الميلاد، وجعل حيازة السبائك في متناول الجميع، ذلك أنه يتيح لمن يملك بضع مئات من الدولارات الاستمثار في الذهب، والأهم من ذلك، وهذا ما أكسب الصندوق عامل قوة، أن فرصة الاستثمار متاحة أيضاً لمن يملك مئات الملايين من الدولارات.

كان سبايدر صنيعة مجلس الذهب العالمي، ذلك أن أرباب التنقيب عن الذهب الذين كانوا قائمين على إدارة هذا الصندوق، سعوا إلى وسيلة ناجعة لبيع الذهب، خصوصا في ضوء إنتاجهم الكبير منه، وما بين العامين 1975 و1985 تراوح الانتاج العالمي من الذهب بين 40 و50 مليون أوقية سنوياً، وقد ساعدت التكنولوجيا الحديثة مثل تقنية ترشيح الأكوام، على زيادة الانتاج نظراً لما قدمته من احتياطات إضافية، وبحلول العام 1995 قفز الإنتاج العالمي بنحو 50 في المائة  إلى ما يقرب من 75 مليون أوقية، وبعد عشرة أعوام ارتفع إلى 80 مليون أوقية، وهكذا تضاعف عرض الذهب في الأسواق في غضون ثلاثين عاماً.


خامساً : 

ومع الزيادة المطردة في عرض الذهب، سعى مجلس الذهب العالمي من خلال مكتبه في نيويورك إلى البحث عن وسائل لتوسيع قاعدة المتعاملين في الذهب، بما يتجاوز طلب أسواق المجوهرات، لقد اتبع منهاجاً بسيطاً، ذلك أنه اسكنه آراء المستثمرين الذين لا يستثمرون في الذهب، واستفسر منهم عن أسباب ذلك، يقول المدير التنفيذي الذي أجرى الاستبيان، تظهر الرسالة الواضحة التي حصلنا عليها ان الاستثمار في الذهب ليس بالأمر السهل، وهو عمل مكلف ومعقد، لقد أراد المستثمرون أمراً سهل التداول، ولا يتطلب من المشتري الحفظ والتخزين، ويتيح المجال في الوقت نفسه للاستفادة من تقلبات السعر الفوري للذهب، باختصار، كان المستثمرون يرجون أن تتوفر لهم سبل المضاربة في الذهب تماماً على غرار المضاربة في بالأسهم، وفي العام 2000 شرع مجلس الذهب العالمي بابتكار منتج استثماري يساعد على تجنب تعقيدات سوق السبائك، ويلبي في الوقت نفسه ضوابط هيئة الأوراق المالية والبورصة.

وقد وصف أحد أعضاء مجلس إدارة الذهب العالمي حالة هيئة الأوراق المالية والبورصة بأنها ليس لديها أدنى معرفة لكيفية عمل سوق الذهب.


وأضاف : سأمضي إلى واشنطن صحبة محام وتاجر ذهب وخبير في الصناديق المتداولة في الأسواق المنظمة، ومجموعنا خمسة أشخاص تقريباً، وسيدعوننا إلى قاعة اجتماع رحبة، ونتحلق حول طاولة عظيمة، سنشرع في التحدث عن آليات عمل سوق الذهب، وستلحظ أن الناس بدأوا في الدخول إلى القاعة تباعا، وفي نهاية المطاف سأجد نفسي أتحدث إلى أربعين أو خمسين شخصا،ً ثمة اهتمام بالغ بآلية عمل هذا المنتج الاستثماري المستحدث غير المألوف".