صندوق سبايدر - الجزء الثاني

 

صندوق سبايدر – الجزء الثاني

أولاً :

كان لابد من إقناع الجهات الرقابية، في سبيل إصدار تراخيص للصناديق المتداولة ببيع حصصها، بأن الحصة الواحدة في الصندوق، تعادل كمية محددة من السبائك المحفوظة في خزائنه، في العام 2004، أصدرت هيئة الأوراق المالية والبورصة ترخيصا لسندوق الاستثمار سبايدر، بالنسبة إلى المستثمر الذي يعتقد في جدوى الاستثمار في الذهب، كان هذا الإحساس الغامر لا يتطلب أكثر من مكالمة هاتفية، وطرحت حصص صندوق سبادير للبيع في عام 2004، واستطاع الصندوق جمع مليار دولار في أربعة أيام، وبعد ثماني سنوات ارتفعت حيازة سبايدر، إلى نحو 1300 طن من الذهب، بقيمة 70 مليار دولار، كانت تحت تصرف صندوق سبايدر من الذهب، ما يتجاوز احتياطات الذهب لدى المصرف المركزي الصيني.


ثانياً :

لقد جعل الصندوق الاستمثار المتداول سبايدر، ملكية السبائك في متداول المستثمرين العادين، الذين كانوا يسعون إلى امتلاك الذهب حالما تذلل العقبات الماثلة أمامهم، بيد أن سهولة امتلاك الذهب اضافت إلى سوق الذهب أكثر من مجرد طلب إضافي إلى الذهب، لقد جلبت عنصر عدم الاستقرار إلى هذا السوق، وهكذا زعزع صندوق سبادير استقرار سوق الذهب من ناحيتين، الأولى من خلال تسهيل شراء كميات كبيرة من السبائك وبيعها، والأخرى في التبعات الهيكلية لآلية عمل الصندوق الاستثماري.


ثالثاً :

لدى تحليل أثر صندوق سبايدر، من المفيد معرفة ماهية المستثمرين فيه، للوصول إلى مستوى حنكتهم الكامنة خلف عملية التداول، ولا تتوافر البيانات حول مالكي هذا الصندوق، إن حجم استثمارات بعض مالكيه تظهر في نماذج التسجيل لدى هيئة الأوراق المالية والبورصة، وهي عبارة عن إفحاصات فصلية إجبارية تطلب من المستثمرين المؤسسين الامريكيين في تقاريرهم المالية بشأن تداولاتهم، على سبيل المثال، أظهرت هذه النماذج الإفصاحية أن المليادير جورج سورس، باع ما قيمته 650 مليون دولار من حصص صندوق سبايدر في الربع الأخير من عام 2010، في حين لم يتغير المركز الاستمثاري لميادير آخر هو جون باولسون، الذي استثمر فيه بمبلغ أربع ونصف مليار دولار من الأمور تحت الإدارة لدى صندوق سبايدر، لكن النماذج الإفصاحية لا توثق إلا المبالغ الموضوعة تحت إدارة المؤسسات، أي المنتجات الاستثمارية المطروحة للجمهور.


رابعاً : 

ولو كان لدى باولسون أو سورس، مليار دولار مستمثر باسم أحدههما في صندوق سبايدر، فلن تظهر هذه الأموال في النماذج الإفصاحية، لقد علمت من أحد أعضاء مجلس الذهب العالمي، جيسون توسان، أن النماذج الإفصاحية كانت الدليل الوحيد المتوافر لديهم حول ملكية هذه الصناديق، كما لم يستطع تقديم معلومات حول عدد المستثمرين أصحاب الحصص، في الصندوق، ومن ثم تعذر عليه تقدير الحجم الوسطي للاستثمارات في السوق، هذا يعني أنه ليس ثمة طريقة لقياس حنكة المستمثرين في الصندوق، ونستطيع القول بأن بعض هؤلاء المستثمرين ليسوا بمستوى حنكة سورس أو باولسون.


خامساً  :

يسهم سبايدر وصناديق الاستمثار المتداولة التي تستثمر في الذهب والتي ظهرت إلى حيز الوجود بعد النجاح الباهر الذي حققه هذا الصندوق) في زيادة درجة تقلبية الأسعار من خلال توفير سبل التداول السريع، في السبائك لجمهور عريض، ويفترض أن تحركات المستمثرين الأكثر حنكة تؤثر في بعض هذه التداولات، وبهذا الصدد، تزداد أعداد المستثمرين الأقل حنكة، وهم يلقون بأنفسهم في دائرة التداول، في هجمة مسعورة، دافعها تقليد الآخرين، إن تداول الحصص في صناديق الاستثمار المتداولة لم يكن القوة المحركة الأساسية لتغيرات الأسعار، وفق سترلينغ سميث، المحلل المالي المختص في تداولات الذهب، بل جعلت هذه التداولات أكثر حدة.


سادساً :

إن الأثر الهيكلي لصناديق الاستثمار المتداولة،  في عدم استقرار السعر ينشأ عادة من الضوابط التي تفرض على هذه الصناديق إعادة التوازن في نهاية يوم التداول، بحيث تشتري أو تبيع أصولها بما يتناسب وعمليات البيع والشراء التي ينفذها الصندوق في هذا اليوم. وعند إجراء عملية إعادة التوازن، تتدفق الكثير من أوامر التداول إلى السوق في الوقت نفسه، ويتجاوب السوق بالآلية نفسها التي يتجاوب فيها مع أمر التداول كبير الحجم، فيرتفع السعر في حالة أمر الشراء، وينخفض في حالة أمر البيع، ولأن ردة فعل أصحاب الحصص في صناديق الاستمثار المتداولة قد تكون مجرد استجابة لحركة السوق في المقام الأول، فإن تحركاتهم تؤدي إلى تفاقم هذه التغيرات.


سابعاً :

 لقد أورد عمود الصفقات – ديل بوك – في صحيفة نيويرك تايمز، أن ستيفن دافيدوف، أستاذ القانون الخبير في مجال الضوابط الرقابية المالية، رأى في حالة حماسة العامة حول الذهب بوادر تشكل فقاعة سعرية "تزداد فيها حدة المضاربة بفعل الابتكارات المالية، في الماضي كان المستثمرون الأفراد مضطرين إلى شراء الذهب، من خلال التجار الوسطاء، وتجار التجزئة، أما اليوم فيمكن شراء الذهب من خلال الإنترنت ، بضغطة زر من السوق مباشرة، عبر صناديق الاستمثارات المتداولة، وكتب دافيدوف : عند نشوء الفقاعة، يؤدي التلفزيون والإنترنت دوراً مهماً في نشر الشائعات، وهذا ما كنا نفعله، إذا يعتبر تسويق الذهب في أوساط الجماهير الغفيرة، في مثل هذه الأحوال، نذير شؤوم".


ثامناً :

يمكن إصدار أوامر شراء الذهب بسهولة إجراء طلبات شراء السلع التي تباع في البقالات، إذ أن بعض الباعة مستعدين للتوصيل إلى البيوت، ومثال ذلك شركة جولدلاين إنترناشيونال، ومقرها سانتا مونيكا، بكاليفورنيا، من أشهر الشخصيات الإعلانية لدى هذه الشركة هو مقدم برنامج حواري شهير، ينتمي إلى أوساط المحافظين، قدم في العام 2011 برنامجا، على شبكة تلفزيون fox ، وبنبرة صوته الحاد عرض تنبؤات التضخم الهدام، وكانت نصيحته إلى مشاهديه أن يضعوا ثقتهم في الله والذهب والسلاح، وفي بث مباشر استمعت إليه عبر شبكة الإنترنت تنبأ الرجل بانهيار الاتحاد الأوروبي، واندلاع حرب أوروبية.


تاسعاً :

لقد ارتفعت مكاسب شركة جولد لاين كثيراً مع ارتفاع أسعار الذهب، وفي أواخر أغسطس عام 2011م، بل سعر أوقية الذهب، مستوى 1917دولار، وأورد مجلس الذهب العالمي، أن الطلب على فئة واحدة من استمثارات الذهب، أي السبائك – قد تضاعف في السنتين السابقين إلى 850 طنا متريا، في العام، وتنبأ المراقبون، في برامج المال والأعمال المتلفزة، بأن يصل سعر أوقية الذهب إلى 2500 دولار، وضجت، مواقع الإنترنت التي انتابتها حماسة الحديث عن الذهب بتقارير تفيد بأن جول بولسون، الذي تصل قيمة ما يملكه من السبائك في صناديقه الاستثمارية إلى مليارات الدولارات، كان يتنبأ بارتفاع الذهب إلى مستوى 4 آلاف دولار للأوقية، وباستثناء الكميات التي كانت بحوزة المضاربين في العملات الذهبية والسبائك التي تملكها الجهات غير الحكومية، والكميات المتفرقة التي تحصى لدى الأفرادن الذين صهروا مجوهراتهم في مصاهر منزلية، بلغت كمية الذهب بأيدي المستثمرين في صناديق الاستمثار المتداولة، وحدها 2250 طنا، مترياً ثم في 2011م، سبتمبر، وصل سعر الذهب إلى نهاية النزعة الصعودية التي استمرت عشرة أعوام، وهوى من علاه.


عاشراً :

وفقد الذهب في غضون شهر واحد  300 دولار من قيمته، فهبط إلى مستوى 1600 دولار للأوقية في أكتوبر 2011م، ورأى بعض المستثمرين مكاسبهم تتلاشى. وفي 3 نوفمبر تقدم النائب العام في سانتا مونيكا بشكوى تحايل جنائي اشتملت على تسع عشرة تهمة ضد شركة جولدلارين، بدعوى بيع عملات ذهبية بأكثر من سعرها لأشخاص ظنوا أنهم اشتروا سبائك ذهبية.