صندوق سبايدر - الجزء الثالث

 

أولاً : 

بانخفاض سعر الذهب، بدأت صناديق التحوط بتصفية استثماراتها في الذهب لتوفير المال لتلبية متطلبات زيادة مستوى الضمان Collateral التي فرضتها المصارف المقرضة لصناديق الاستثمار عندما بدأت أصول تلك الصناديق مثل الأسهم بالتراجع أيضا. لقد مثل هذا الانخفاض الشامل في قيم الأصول تحديا للقاعدة التي تقول إن سعر الذهب يرتفع عندما تنخفض أسعار الأسهم. هذه المرة كانت السفينة برمتها تغرق هذه الحالة تعرف بلغة المحللين الماليين بـ «اطراح المخاطر»  وهي حالة يتخلص منها المستثمرون من كل مخاطر الاستثمار ويتحولون إلى الأصول النقدية وليست الأصول النقدية في هذه الحالة إلا شيئا واحدا: الدولار الأمريكي.


ثانياً : 

 قد يتبني المرء وجهة النظر القائلة إن بيع الذهب لرفع قيمة الضمان نتيجة تراجع قيم استثمارات الأسهم دليل على فائدة استخدام الذهب في سبيل التحوط. فلو تجاوز الذهب على سبيل المثال حالة اطراح المخاطر بصورة أفضل من الأصول الأخرى، فسيختار المستثمر الاحترازي أن يتحمل خسائر تراجع أسعار الذهب لأجل أن ينأى بنفسه عن الخسائر الأكبر الناجمة عن بيع الأصول التي اضمحلت قيمتها بدرجة أشد أي تلك الأصول التي إن تمت حيازتها، فإنها قد تسترد قيمتها لاحقا. علاوة على ذلك، أبرزت السوق الفورية للذهب، حتى في ضوء تراجع سعره، إحدى خصائص هذا المعدن التي لا ينازعها الشك أنه مصدر للسيولة، وهذا يعني سهولة تحويله إلى مال. والآن وقد حدث ذلك الأمر، كانت تلك الخاصية عنصرا أساسيا في الانقلاب الذي كان مجلس الذهب العالمي يحاول تنفيذه  كان المجلس يطلب من الجهات الرقابية المصرفية الأوروبية أن تدرج الذهب في فئة خاصة ضمن أفضل الأصول المالية.


ثالثاً : 

 وإذا أدخل الذهب في هذه الفئة من الأصول، سيتعين على المصارف امتلاكه ويبدو التوقيت غريبا لإثارة هذا المطلب، إذ كان سعر الذهب في طور التراجع، وكانت الأسواق تعاني الضعف. لكن القائمين على مجلس الذهب العالمي كانوا يتحلون بالعزيمة وكانوا يملكون الذهب أيضا وفق قولهم، لجلب الاستقرار لمصارف الاتحاد الأوروبي المترنحة. بعد الأزمة المصرفية التي أعقبت انهيار مصرف ليمان برذرز Lehman Brothers set العام 2008، عملت لجنة بازل للرقابة المصرفية وهي تجمع متنفذ، محاط بغلالة من الغموض يتكون من وزراء مالية دول مجموعة العشرين G20 على إصدار جملة جديدة من متطلبات رأس المال للمصارف. وقد اشتملت هذه المتطلبات على السيولة الوقائية Liquidity Buffer التي تتكون من أصول عالية السيولة يمكن أن توفر النقد الجاهز في حالة الطوارئ، عندما تنضب المصادر الاعتيادية للنقد الجاهز مثل القروض من المصارف الأخرى. إذ يمكن أن تدخل في هذه الفئة من الأصول عالية السيولة الديون الحكومية الممتازة - مثل السندات الألمانية أو أذونات الخزانة الأمريكية. ووفق الاقتراح الذي تقدم به مجلس الذهب العالمي، كذلك يمكن أن يدرج الذهب في هذه الفئة. وفي يوم مشمس آذن ببداية الخريف في لندن، حيث كنت أعيش حينها، مضيت إلى حي المال القديم المعرف بالمدينة the City لأبحث عن تفسير لذلك.


رابعاً : 

كان الوقت عصرا، وقد ازدحمت درجات كاتدرائية القديس بول بالناس الجالسين تحت أشعة الشمس، وهم يتناولون الشطائر ويلاحقون بوجوههم أشعة الشمس. تمشيت عبر البوابة إلى ساحة باترنوستر Paternoster Square. كان هناك حشد متأنق قد خرج من بناء بورصة لندن باتجاه المطاعم المتحلقة حول الساحة. وإذا كانت المخاوف من تراجع الأسواق تعصف بالقلب المالي للمدينة، فقد عزم هؤلاء على تناسيها فيما راحوا يتناولون طعامهم. وسلكت باتجاه شارع نيوجيت Newgate. Street . كان المحامون بلممهم المستعارة يدخنون السجائر على الرصيف خارج المحكمة الجنائية الرئيسة في لندن أولد بايلي Old Bailey. وإلى الأمام عبر الشارع من المحكمة القديمة ذات السحنة القائمة، كان يقوم المدخل إلى بناء مكتبي حديث الطراز ذي جدران زجاجية، وهناك جلست في غرفة الاجتماعات الكائنة في الطابق الثالث وجها لوجه مع ناتالي ديمبستر Natalie Dempster عملت ديمبستر، وهي اقتصادية أسكتلندية نشيطة، لدى مصرف رويال بنك ate اوف سكوتلاند Royal Bank of Scotland جي بي مورغان تشيس jp Morgan Chase قبل التحاقها بمجلس الذهب العالمي، حيث تعمل الآن رئيسا للشؤون عندما التقينا كانت قد عادت من ،بروكسل من مهمة غايتها حث السلطات الرقابية المصرفية الأوروبية على إدراج الذهب مصدرا للسيولة الوقائية. وألقت على الطاولة ملف الوثائق التي استخدمت في حشد الدعم لهذا التوجه، وبدأت تعدد الأسباب التي تبرر قبول السلطات الرقابية الأوروبية للذهب، متنقلة بمهارة الخبير عبر الأسس والمعايير المعتمدة، شارحة الكيفية التي يلبي فيها الذهب هذه المعايير: المعيار لا يجوز أن يكون الأصل Asset أداة تصدرها المؤسسة نفسها التي ستستخدمها مصدرا للسيولة الوقائية الذهب: ليس ثمة من يصدر» الذهب. كما أن قيمته لا ترتبط بالوضع الائتماني لأي جهة، ولذلك فهو لا ينطوي على المخاطرة الائتمانية Credit Risk المعيار سهولة حساب سعر الأصل لتوفير معلومات للجمهور. الذهب يعتبر الذهب على الأرجح أفضل أسعار الأصول المعروفة في العالم.


خامساً : 

المعيار: أن يكون الأصل قابلا للتداول في السوق الذي يضم عددا كبيرا من المشاركين، ويرتفع فيه حجم التداول، ويتميز بصفتي العمق  والاتساع. الذهب: بلغ حجم التداول في سوق الذهب ،بلندن، وحده، 240 مليار دولار في اليوم. وتجدر الإشارة مجددا إلى أن الحجم الفعلي لتداولات السبائك في لندن أثار دهشة الجهة نفسها التي أماطت اللثام عنه، أي هيئة سوق السبائك اللندنية London Bullion Market Association كانت تلك المرة الأولى في ست عشرة سنة التي تستطلع فيها آراء المؤسسات الأعضاء حول حجم التداول. وقد أجرت استطلاع الآراء لفائدتها الخاصة. وإذا قبلت السلطات الرقابية إدراج الذهب بين مصادر السيولة الوقائية، فسترتفع مبيعات الذهب للمصارف. وإذا كانت السيولة أداة وقاية من المخاطر وفقا لما خلص إليه استطلاع الهيئة، فإن الذهب يلبي هذه الشروط. كانت السيولة تابعا لوتيرة التداول. وإذا كان حجم التداول هو المقياس، وفق ديمبستر، فسيكون بيع الذهب أسهل من بيع السندات الحكومية. فثمة مشترون على الدوام - وهذا تعريف السيولة. to Settin ولأن الطلب على المزيد من السيولة الوقائية ينبع من المشكلات التي واجهتها المصارف عندما تعذر عليها الحصول على المال (السيولة)، فقد درست دیمبستر أداء الذهب في وقت الأزمة. وخلصت إلى أن سوق السبائك ظل متماسكا فيما ترنحت الأسواق الأخرى. وقد وضح أحد الأشكال البيانية الارتفاع الحاد في أسعار الفائدة مع توقف المصارف عن إقراض بعضها بعضا. وظل سوق السبائك محافظا على سيولته. لقد تبين أن العديد من الأسواق الأخرى «التي يفترض أنها تمتلك موجبات العمق والسيولة، لم تكن كذلك البتة لم يكن ممكنا بيع الأصول إلا عند خصومات (حسومات) سعرية كبيرة. كان هذا ينطبق أيضا على بعض الأصول ذات التصنيفات الائتمانية الممتازة AAA-Rating: «فقد ثبت أن التصنيفات الائتمانية لا تعتبر دليلا على السيولة»، وفقا للملاحظات التي أثبتتها ديمبستر في الوثائق الداعمة لهذه الدراسة. وترى ديمبستر أن الذهب استفاد أيضا من وجود آلية السعر الأدنى Pricing Floor إذ تقول: «ما يحدث للذهب هو أن ثمة طلبا هيكليا (حقيقيا) مصدره سوق المجوهرات هذا الطلب يشكل الأرضية السعرية له فما حدث خلال الفترة التي شهدت انهيار مصرف ليمان هو أن الذهب هبط فجأة، لكن الطلب الصناعي وطلب سوق المجوهرات حالا دون مزيد من الانخفاض وشكلا الحدود السعرية الدنيا التي لا يمكن تجاوزها ولذلك لا تنصب المسألة حول عدم تراجع الذهب إطلاقا بل حول عدم انكفاء السعر إلى مستويات جد متدنية عند الحاجة إلى بيع الذهب طلبا للسيولة. وهذه ناحية بالغة الأهمية. أما وجهة نظر الأطراف العاملة في قطاع المجوهرات والقطاع التكنولوجي فتختلف تماما، إذ إنهم يرغبون في الذهب، عندما ينخفض سعره». كما يحبذ أنصار الذهب الإشارة إلى مشتريات المصارف المركزية من الذهب ctivat وهذا ما أشارت إليه ديمبستر أيضا. لقد كان المصرف المركزي الصيني يزيد احتياطياته to set من الذهب بمعدل مائة طن سنويا تقريبا، واشترت المكسيك وروسيا وكوريا الجنوبية.".