جولد سترايك - الجزء الثاني


أولاً :

هذه المقالة استكمال لمقالة سابقة بعنوان جون سترايك، نكمل: أضاف والده أيضا أن كاثارينا لن تعتقل إلا فترة وجيزة. يقول مانك أكد لي والدي أننا إن تركنا معها ما يكفي من المال للمؤونة ودفع الرشي، ستكون أمور والدتي على ما يرام وباعتقادي كان والدي يعلم أنها سترحل». وفي مشهد مؤثر بورده کتاب بورتر، يتذكر مانك أنه اصطحب كاتارينا إلى مركز الاعتقال الذي كان في الأصل معهدا لاهوتيا للأحبار، وقد ارتدت بذلة صيفية ذات لون أصفر شاحب وحذاء إيطاليا. وحمل بنفسه حقيبتها الجلدية الفاخرة كانت تحتفظ بنقودها في محفظة صغيرة. وتحدثا عما سيفعلانه معا عندما تضع الحرب أوزارها. وتبادلا عبارات الوداع عند البوابة. وفي اليوم التالي، وكان على وشك المغادرة على متن قطار كاتزنر اتصل مانك بوالدته في مركز الاعتقال، والغريب في الأمر أنهم سمحوا بتحويل المكالمة الهاتفية إليها.

ثانياً :

 وذكرت كاثارينا أنها كانت بخير وأن خادمتها أحضرت لها دفعة جديدة من الملابس المغسولة النظيفة. واستقل مانك القطار المتوجه إلى سويسرا وبعد بضعة أيام وضع الألمان كاثارينا في سيارة المعتقل المتوجهة إلى أوشويتز Auschwitz. تجاوزت كاثارينا تلك المحنة، لكنها عادت من أوشويتز وقد طرأت عليها تغيرات مؤلمة. وهكذا قفلت عائدة إلى هنغاريا. وكما أخبرتني بورتر في محادثتي الهاتفية للتحدث إليها عن ذلك الفصل من قصة مانك، أراد بشدة أن يكون معها، لما تبين أنها عادت سالمة، وبعد أن علم بالمحنة التي ألمت بها. كان يحب والدته كثيرا». وأصرت كاثارينا على أن يذهب مانك إلى كندا ليكمل تعليمه. ثم أحضرها إلى هناك، مع أنها لم تحب ذلك البلد البتة، ولم تكن تجيد الإنجليزية. تقول بورتر: «لقد اعتني بها عناية فائقة، كانت تلك العلاقة الأقوى في حياته». وعندما قابلت مانك كان في الرابعة والثمانين رجلا رشيقا، حلو المعشر، تبدو عليه سيماء ،الصرامة، ووجهه كوجه العُقاب كان شعره القصير الأبيض معقوفا بإحكام على رأسه. وكان يتنقل بخطوات رشيقة. تقابلنا في جناحه الواقع في زاوية الطابق الخامس بفندق كلاريدج بلندن. كان يوما ربيعيا دافئا على غير المألوف وقد غمرت أشعة الشمس الشرفة. وتمايلت الستائر الشفافة نحو الداخل وتناثرت الأزهار البيضاء على إفريز المستوقد   برخامه البرتقالي. وطلب مانك إبريق قهوة وثلاث زجاجات من مشروب سان بيليجرينو. وجلس واحتسى فنجان القهوة عن آخره ثم استوى قائما ليجري مكالمة هاتفية عند طاولة المكتب، واستخدم في محادثته مقاطع أحادية اللفظ  . لم أعلم حينها ، ولكن عندما تقابلنا، كانت شركة مانك واسمها شركة باريك للذهب Barrick Gold Corporation کبری شركات التنقيب عن الذهب في العالم، في خضم حرب العطاءات السرية . مع العملاق الصيني: شركة مينميتال ريسوروسز Minmetal Resources. وبعد شهر كانت شركة باريك على وشك أن تفاجئ عالم الأعمال بأنباء انتزاعها شركة أسترالية للتنقيب عن النحاس من فكي مينميتال مقابل مبلغ 7.6 مليار دولار.

ثالثاً :

 كانت تلك كبرى عمليات الاستحواذ في تاريخ شركة باريك، والمرة الأولى التي تشتري فيها أصولا من غير الذهب. وارتقى مانك بشركة باريك إلى القمة في مجال التنقيب عن الذهب من خلال التركيز الحصري على معدن واحد وموقع واحد. وقد حولت استراتيجيته منجم الذهب الذي بلغت قيمته 14 مليون دولار إلى شركة وصلت قيمتها إلى 50 مليار دولار كان ذلك المنتهى السعيد لهذه الرحلة. بيد أن الرحلة نفسها لم تكن سهلة. تخرج مانك في العام 1952 في جامعة تورنتو حيث نال شهادة الهندسة الكهربائية. وبعد ست سنوات أسس وشريكه التجاري ديفيد جيلمور David Gilmour شركة كليرتون ساوند المحدودة Clairtone Sound Corporation Limited). كان مجال عمل الشركة إنتاج مسجلات الصوت عالية الجودة ووضعها داخل هياكل وأطر وفقا لأفضل التصاميم. في تلك الأيام كانت معدات الصوت المنزلية تركب داخل خزائن صندوقية الشكل. وابتكرت كليرتون قطعا ومكونات مصقولة ذات تصاميم موحدة استوحت روح الستينيات من القرن العشرين. كانت الشركة تستهدف الشريحة العليا من السوق، وقد استأجر مانك خدمات فرانك سيناترا ليعمل مقدما للإعلانات التجارية للشركة وتدبرت الحصول على فرصة للإعلان غير المباشر   عن نظام الصوت المجسم (ستيريو) لبرنامج بروجيكت جي Project G ذي الصبغة العصرية المستقبلية في فيلم في العام 1967 الشهير «الخريج» The Graduate وسطع نجمه في عالم الأعمال، فكان ينتقل بطائرته الخاصة وهو في عمر الثلاثين للتحدث إلى مجموعات الأعمال التي كانت ترى فيه شخصا ملهما ثاقب البصيرة وفي إعلان تجاري يرجع إلى العام 1967 - وهو متاح اليوم على يوتيوب YouTube - يظهر مانك وشريكه يتجولان عبر جسر بروكلين نحو مانهاتن في سيارة بيرس آرو Pierce Arrow المكشوفة). وفي المقعد الخلفي كان أحدث منتجات الشركة التلفزيون الملون كليرتون كانت شركة كليرتون توشك على الانهيار عندما أذاعوا الإعلان)، وكان مانك رائعا صقيلا كالخزائن الدانماركية العصرية   التي استخدمت هياكل لمنتجاته، وهذا ما استقطب زبائن مثل هيو هيفنر  . بعد ذلك، وقد غلبتها المشكلات التصنيعية والتحول نحو التلفزيون الملون الذي مقالة لم يحقق رواجا في السوق، انهارت شركة كليرتون وقد اقتبست نينا مانك في كتبتها عن الشركة وأبيها، وهي المحرر المشارك في مجلة فانيتي فير Vanity Fair، ما ذكره محام يعمل لمصلحة حكومة نوفا سكوشيا، التي خسرت ملايين الدولارات في شراكتها مع كليرتون كان مانك رجل مبيعات ممتازا لمصلحته الشخصية. كان قادرا على بيع أي شيء لأي كان - وإن كان هو نفسه»  .

رابعاً :

 في أعقاب انهيار الشركة، غادر مانك كندا إلى لندن. وأسس في العام 1970 جيلمور شركة فنادق ساوثيرن باسيفيك، وترأس مانك مجلس إدارتها. وفي غضون ثلاث سنوات أصبحت كبرى سلاسل الفنادق الفاخرة في منطقة الهادئ (باسيفيك). وبدا أنه استعاد سمعته التجارية بكاملها إلى أن كان العام 1973

 خامساً :

أسبوعين ونصف الأسبوع. وأدى فرض الدول العربية المصدرة للنفط حظرا على توريد النفط على بعض الدول إلى ارتفاع سعر النفط. وبذلك ارتفعت تكلفة السفر وتباطاً الاقتصاد العالمي. وانكمش مشروع مانك، وأدت محاولاته إنقاذ المشروع إلى عقد اجتماع مهين في لندن مع إيرل إينشيب Earl of Inchcape، رئيس مجلس إدارة عملاق الشحن البريطاني بي أند أو P8O. ووفقا لمقالة نشرت في صحيفة جنوب أندي Globe and Maille بتورنتو: «فإن السيد مانك، وقد كان بحاجة ماسة إلى رأس المال   ، وانتابه الإعياء من رحلته الجوية التي استهلها من فيجي واستغرقت 40 ساعة، جاء راجيا مجلس إدارة اللورد إينشكيب النظر في تفعيل عرض لشراء الأسهم كانت شركته ساوث باسيفيك قد رفضته سابقا. ولم يكن اللورد المتعجرف لتلين له قناة «ما العرض الذي تتحدث عنه سيد مانك؟ ليس قمة عرض على الطاولة. ستعلن إفلاسك ثم نتحدث إلى مدير التفليسة وسنستحوذ على أفضل أصولك ثم إنك ستواجه نقمة المساهمين في شركتك وأنت تستأهل ذلك تماما، لأنك كنت عنيدا متصلبا». وهكذا اصطحب السيد مائك إلى الباب. وقد تدبر مانك إنقاذ استثماراته، لكنه مر بظروف عصيبة مجددا تمثلت هذه المرة في فشل أحد مشروعاته النفطية بسبب تراجع السوق. ووفق روايته كانت تلك نقطة الحضيض التي وصل إليها وهي تلك اللحظة التي أصابه فيها سوء الطالع بانتكاسة خاطفة وساحقة ولا ترحم». وهكذا انكفأ إلى منزله في كلوسترز Klosters ، في المنتجع السويسري، ليلعق جراحه. وفي العام 1982 وبينما كان مانك يستعرض شريط هذه الأحداث القديمة في غرفته الفندقية بلندن، كان مؤكدا أنه قد بلغ لحظة التجليات انكشاف البصيرة. كان كلوسترز، وهو المعتزل المفضل للأمير تشارلز، وكان مقصدا لشخصيات مثل سليل الأسرة المصرفية نات روتشيلد at Rothschild ملتجأ لمانك هربا من هموم الأعمال التجارية لسنوات عديدة. لكنه هذه المرة لم يفكر إلا في الأعمال التجارية. كان يفكر تحديدا في تقلبات الأسعار. وقدرتها على إحباط أي خطة بأثر فوري. كان يفكر أيضا في أخطائه وعثراته التي ارتكبها عند اتباعه حكمة الحشود.