جولد سترايك - الجزء الرابع

 

أولاً : 

ولكنه وجد أن الطريقة الوحيدة للتحقق من حساباته كانت إدخال أرقامه في برمجيات الشركة النفطية المستخدمة في حساب الاحتياطيات واستخدم في الإشارة إلى تكاليفه الأقل عبارة تكاليف مرحلية»، وطلب من تيكساكو إدخال الأرقام. وعندما تم ذلك، ارتفعت الاحتياطيات بنسبة 25 في المائة. كان هيل يعتقد أن الرقم الحقيقي أكبر من ذلك. وهكذا سعى مانك إلى الحصول على المنجم. كانت تيكساكو قد حددت أقل مستوى للسعر عند 40 مليون دولار، وهو مبلغ كبير بأرقام العام 1985 بالنسبة إلى شركة صغيرة مثل باريك. وكانت تیکساكو، العملاق النفطي متعددد الجنسيات ترفض أيضا أن تجعل الأمان الوظيفي لعمالها رهنا لهذه المؤسسة الصغيرة. وفي لقاء أجراه وجها لوجه مع المدير التنفيذي المسؤول عن عملية البيع بين مانك أن باريك قادرة على إدارة المنجم والوفاء بالتزاماته ومن ثم أضاف إلى عرضه طعما   مغريا: إذا ارتفع سعر الذهب بمقدار محدد، فسيدفع لتيكساكو مبلغا إضافيا قدره 9 ملايين دولار. وأبرمت الصفقة. 

ثانياً : 

ويذكر آلان هيل، مستعيدا تلك الأحداث: «بإمكان بيتر مانك تمويل شراء أي شيء على وجه هذا الكوكب». حصل مانك مقابل 40 مليون دولار على منجم أنفق مالكوه السابقون 100 مليون دولار على أعمال تحسينه. واستطاع مديرو المنجم المتمرسون زيادة تدفق الفلز عبر محطة المعالجة من 3 آلاف طن إلى 4 آلاف طن يوميا، ولاحقا إلى 5 آلاف طن يوميا. وفي ثلاثة أشهر خفضوا تكاليف استخراج الأوقية الواحدة من الذهب من 290 دولارا إلى 212 دولارا. وارتفع إنتاج ميركر السنوي من 34 ألف أوقية إلى 116 ألف أوقية، وزادت الإيرادات من 13 مليون دولار إلى 42 مليونا. وهكذا حققت شركة باريك مشروعا ناجحا وكان هذا المشروع في أمريكا، وهذا الأهم. لقد أسست شركة باريك منجم ميركر باعتباره شركة منتجة للذهب متوسطة الحجم لإيجاد موطئ قدم لها في الولايات المتحدة. كان العامل المكاني، أي الموقع من عوامل القوة الاستراتيجية التي امتلكها مانك. وبذلك كان بحاجة إلى العامل الثاني، وهو إيجاد شركة لها من الحجم ما يكفي لجذب الاستثمارات الضخمة. وتعين على شركة باريك العثور على شركة ذات احتياطي مهم من الذهب، وحيازتها. وكان همة مكان واحد تستطيع فيه شركة باريك إيجاد مثل هذا الاحتياطي، وأن تظل في الولايات المتحدة: إنه نيفادا وعلى حد تعبير هيل أزف الوقت للذهاب إلى الصيد في بلد الفيلة. كان الفيل الذي عثر عليه وحشا يثير الشفقة. بيد أنهم استطاعوا تحويله إلى أشهر مناجم الذهب في العالم. بدأ العمل في منجم جولد سترايك Goldstrike في العام 1986 عندما احتاج أحد المشاركين فيه إلى المال وكان يمتلك نصف المنجم. وتوجه آلان هيل وفريقه الإداري بالطائرة لتقييم المنجم. ولم يتأثروا بما رأوه. كان جولد سترايك مشروع أعمال منزليا محدودا   يُدار بالنزر اليسير من الموارد الاقتصادية، وكان الإهمال سيد الموقف». على حد تعبير أحد المطلعين لاحقا. وقد أيد هيل ذلك قائلا: «كان مشروع أعمال منفلتا»   كان المديرون الميدانيون يشرفون على سير العمل في المنجم انطلاقا من قاطرة متداعية. وكانت معظم المعدات في حالة رثة. وقد وضعت صهاريج السيانيد المستخدم في استخراج الذهب خلف مكتب مستأجر في إيلكو Elko الواقعة في الجوار. وعلى نقيض ذلك، وفي جوار جولد سترايك كانت تقوم مناجم نيومونت العامرة بالمقارنة، كان منجم جولد سترايك في حالة يرثى لها. لكن ماذا لو أن إدارة جولد سترايك قد أخفقت، فقط، في استغلال هذا المورد الذي بين أيديها؟ كان منجم نيومونت يتدفق ذهبا من كل حدب وصوب.

ثالثاً : 

 وكان من السهل أن يخلص المرء إلى أن منجم جولد سترايك المتداعي ينقصه شيء. لقد تساءل أحد الجيولوجيين العاملين لدى شركة باريك ما إن كانت أعمال الحفر الضحلة العديدة الموجودة في منجم جولد سترايك مؤشرا إلى وجود مزيد من الاحتياطيات أسفلها، والتي انتقل منها الذهب إلى المستويات الأعلى، وبأخذ هذا الاحتمال بعين الاعتبار وفي آخر الجهود لإضافة عامل جذب لقطعة الأرض التي كانوا يسعون إلى بيعها، حفر مالكو جولد سترايك الجيب الرئيس إلى عمق 1800 قدم... وأصابوا كتلة عملاقة.

مت الحفارة بكتلة صخرية عالية الجودة عالية التركيز) سماكتها 391 قدما. وكان ثمة كتلة أعمق. لكن الجيب الفلزي كان عصيا على الحفر. وكان الذهب محصورا بشبيكة من السلفايد Sulfide latice ستجعل عملية الاستخراج صعبة ومكلفة جدا. تعتبر الربحية السمة التي تميز الفلز عن الصخر عديم القيمة. ويمكن لتكاليف الاستخراج العالية أن تستنزف القيمة من الفلز المستهدف، ويمكن باستخدام الأساليب الاقتصادية تعزيز تلك القيمة. إن الذهب عنصر كيميائي صعب المراس. فهو يربض بالقرب من إحدى زوايا الجدول الدوري للعناصر، إلى جانب العناصر الخاملة  ) الأخرى. ومن الناحية الكيميائية، لا يسعى الذهب إلى هجر حالته الطبيعية الأصلية، ولا بد من سحبه من ناصيته  ، وغالبا بمساعدة مواد كيميائية سميّة. ومن هذه المواد السيانيد، وتقنية شائعة تستخدم السيانيد تعرف اصطلاحا بـ «الترشيح بالكربون النشيط  . ينقل الفلز من الحفرة بالشاحنات ويجمع في منطقة التخزين المسماة منصة الفلز الجاهز للمعالجة، عبر محطة المعالجة والاستخراج التي تعمل بتقنية الكربون النشط. وينقل جهاز البكرات الفلز ويلقمه داخل أسطوانة دوارة عظيمة الحجم. في داخل الأسطوانة تقذف كرات الفولاذ على الصخر، فتفتته إلى قطع. وتقوم آلة أخرى قاذفة لكرات الفولاذ بتهشيم قطع الصخر التي لم تعالجها الأسطوانة الأولى. ثم يُمزج المسحوق الصخري بالماء لتتشكل الردعة (* * * *) التي تضخ إلى أولى سلاسل حاويات الترشيح ذات العلو المرتفع.

رابعاً : 

 في الحاويات يضاف السيانيد إلى المزيج، فيعمل على تحليل حبات الذهب الصغيرة من الصخر الغباري (المسحوق الصخري). وفي الوقت نفسه، تضخ كريات الكربون إلى الحاويات البعدية (اللاحقة) وتُدفع إلى الحركة عكس التيار باتجاه الحاويات القبلية (السابقة). ويُزوّد الكربون بشحنة كهربائية ليجذب محلول السيانيد والذهب، فيلتصق به وبإتمام الفلز دورة العبور في كل الحاويات يكون الكربون قد تشرب معظم الذهب وأخيرا تمر كريات الكربون عبر السائل الحمضي لانتزاع الذهب منها ويتوجه السيانيد إلى حوض المخلفات، ثم يعاود الكربون دخول عملية المعالجة، فيمر السائل الحامل للذهب عبر مجموعة من الصفائح المعدنية المكهربة المغلفة   بالصوف الفولاذي )). 

خامساً :

 ويتشكل الذهب في صفائح كهربائية على الصوف الفولاذي يفكك القائمون على التشغيل هذا الجهاز إلى أجزاء مرة كل أسبوع، ويشطفونه بقوة الماء النفاثة، ويستخلصون رملا ذهبيا ناعما. ثم يجففونه في الفرن لليلة كاملة، ثم يصهرونه ويصبونه في سبائك. في موقع كارلين تريند يستخدم المنقبون طريقة لاستخراج الذهب أقل تكلفة تسمى الترشيح بالأكوام Heap leaching. لقد حققت هذه التقنية مليارات الدولارات للمنقبين عن الذهب من خلال تحويل قطاعات واسعة من الأراضي الحدية   إلى فلز. وتعود طريقة استخراج المعدن برش رذاذ السوائل على كومة الصخر إلى أكثر من 500 عام خلت، لكن استخدام السيانيد في استخلاص الذهب من أكوام الصخر ظهر في كورتيز بنيفادا في العام 1969. غير أن التنقيب عن الذهب لم ينظر إلى الوراء البتة. إن طريقة الترشيح بأكوام الصخور الأقل تكلفة من طريقة الكربون النشيط، تتيح للقائمين على المنجم معالجة حمولة طنية ضخمة من الفلز منخفض التركيز (متدني الجودة)، هذا الفلز كان سينتهي بين المخلفات لولا استخدام هذه الطريقة. يلقم القائمون على العملية الصخر عبر سلسلة من آلات التهشيم، ثم يجمعونها في أكوام بارتفاع مئات الأقدام وتستقر كل كومة على طبقة كتيمة»، وهي صفيحة لدنة (بلاستيكية) معدة للاستخدام الصناعي.