جولد سترايك - الجزء السادس

أولاً :

كانت شركة باريك تزيد مساحة الجيب الفلزي كل يوم. يقول هيل: «كنا نعثر على ما يعادل منجم ذهب صغيرا كل أسبوع». كانوا بحاجة ماسة إلى اليد العاملة للتنقيب. وكان هيل يعلم أين سيجدهم لكن أين سيجعل سكنهم؟ كانت الكو Elko بلدة صغيرة ليس فيها إلا القليل من المساكن الفائضة عن الحاجة. كما أن العمال الجدد سيجلبون معهم مشكلاتهم. يقول هيل: «لقد أردنا عمالا متمرسين». وقد جاء الكثير منهم من القرى المحيطة بالمناجم التي آلت إلى الإفلاس. كان لهؤلاء بيوتهم وقروضهم العقارية التي كان عليهم أن يخلفوها وراء ظهورهم. لذلك كانوا يفتقرون إلى مستوى جيد من الجدارة الائتمانية». ووضع باريك خطة لتشجيع المصارف على تقديم القروض العقارية لهؤلاء العمال.

ثانياً :

 إذ اشترت الشركة قطعة أرض شمال الطريق الدولي الواصل بين الولايات في الكو وقسمتها إلى قطع صغيرة. وقبل أحد المقاولين من مدينة سولت ليك سيتي Lake City بناء مساكن بمواصفات موحدة يتكون الواحد منها من ثلاث غرف مقابل مبلغ 50 ألف دولار. كانت تكلفة قطعة الأرض الصغيرة على باريك 12500 دولار، وبذلك وصلت التكلفة الإجمالية للبيت الواحد إلى 62500 دولار. وستعمل شركة باريك على تقديم قرض بتكلفة الأرض البالغة 12500 دولار إلى عامل المنجم بحيث تعفيه الشركة من هذا المبلغ إذا استمر في العمل لدى الشركة لمدة ثلاث سنوات. وبتوافر الأمان الوظيفي ودفعة مقدمة قدرها 20 في المائة في جيوب العمال تدبروا أمر الحصول على القروض العقارية.

ثالثاً :

 وفي غضون خمس سنوات ارتفعت قيمة المسكن الواحد لدى شركة باريك إلى 80 ألف دولار، كما ارتفع إسهامها الذي قدمته على شكل إعفاء من التكلفة الإجمالية إلى 20 ألف دولار. وبذلك ارتفع عدد المساكن فى قطعة الأرض المقسمة إلى 700 مسكن. وفي أقل من عشر سنوات استطاعت شركة باريك أن تحصر وجود 30 مليون أوقية من الذهب. وهكذا دفع منجم جولد سترايك بالشركة إلى مصاف أكبر منتجي الذهب في العالم ). كان المنجم ينتج أكثر من مليون أوقية سنويا، ولايزال. وبعد سنة من اكتشاف الطبقة العميقة في جولد سترايك، ارتفع سعر أوقية الذهب من 380 إلى 500 دولار. في الحقيقة لم يجعل مانك شركة باريك في مصاف عمالقة الشركات عن طريق المضاربة على سعر الذهب إذ إنه ضارب عكس هذا السعر لقد بدأ بتوفير الحماية للمستثمرين من المخاطرة القطرية  .

رابعاً :

 وسيعمل لاحقا على توفير الحماية لهم من مصدر قلق آخر - وقد سبق أن أحبط خططه - ألا وهو تقلبية (تذبذب) السعر. في أول أيام شركة باريك كان سعر الذهب يتذبذب في هامش عريض. فقد استهل العام 1985 عند 300 دولار للأوقية، وبلغ 500 دولار للأوقية عام 1987، ثم هبط إلى 360 دولارا في العام 1989 . ثم ارتد متخطيا مستوى 400 دولار مع بداية عام 1990 بيد أنه تراجع بعد ثلاث سنوات إلى 330 دولارا. وعمل مانك، وقد أوشك على الإفلاس نتيجة الخسائر التي لحقت به بسبب تقلب سعر الذهب، على تطوير آلية توفر الحماية لشركة باريك من التقلبات السعرية الحادة، وتضمن للشركة عوائدها، وتحقق لها تدفقات نقدية مستقرة ستوظفها في شراء المزيد من المناجم وتوسعتها. لقد لجأ إلى البيع في السوق الآجلة. في عمليات البيع بالسوق الآجلة، يتعاقد المنجم مع أحد المصارف التجارية لتسليم كمية محددة من الذهب عند سعر مستقبلي محدد  . عندئذ يقوم المصرف التجاري باقتراض ما يعادل تلك الكمية من سبائك الذهب من المصرف المركزي، ويبيعها في السوق ويودع الأموال المتحصلة في حساب أمانة خاص بشركة التنقيب ( مالكة المنجم)، ويحقق عوائد تتمثل في الفوائد التي يتقاضاها على تلك الأموال. فإذا سلم المنجم الذهب المتفق عليه إلى المصرف التجاري يحصل المنجم على الأموال المودعة في الحساب الخاص ومعظم مبلغ الفائدة. ويعيد المصرف التجاري الذهب الذي تسلمه من المنجم إلى المصرف التجاري مع القليل من الفوائد يحقق المصرف التجاري عوائده من حصته في الفائدة المترتبة لحساب الأمانة مطروحا منها مبلغ الفائدة الذي يدفعه إلى المصرف المركزي. وبذلك تكسب كل الأطراف المعنية في الصفقة. فالمصرف التجاري يحقق ربحا من الصفقة ذات المخاطرة المتدنية؛ ويكسب المصرف المركزي الفائدة التي ما كان ليحققها على احتياطياته المجمدة؛ وتقي شركة التنقيب نفسها من تراجع السعر باعتبار أن السعر الذي ستحصل عليه يعادل السعر السائد في السوق وقت إبرام الصفقة، كما أنها تحقق فوائد مباشرة على ما لم تنتجه بعد. وهكذا وفر البيع الآجل لشركة باريك الوقاية من تراجع السعر. بيد أن قمة متغيرا واحدا يمكن أن يخل تماما بحسابات البائع بالأجل Forward seller)، ويتمثل في ارتفاع سعر الذهب لنفرض أن العقد الآجل يقضي بالتسليم بعد خمس سنوات عند سعر قدره 800 دولار للأوقية. إذا كان السعر الفوري دون ذلك، فلا بأس فهذا هو مقصود التحوط.

خامساً :

 لكن إذا وصل السعر الفوري (الحال) إلى 1400 دولار، يكون البائع بالأجل قد خسر» 600 دولار عن كل أوقية. هذه المصيدة أطبقت سريعا على شركة باريك. بحلول العام 2009 كان لدى شركة باريك مركز تحوطي هائل في السوق الآجلة  ، يقل كثيرا عن القيمة الفعلية للمعدن هذا المركز الأجل كان يلقي بوطأته على سعر سهم الشركة كأنه أصفاد معدنية عملاقة. كان البيع الأجل، وفقا لما دأبت عليه شركة باريك، يعطي المنجم الخيار لتمديد أجل استحقاق العقد كلما حل هذا الأجل. بعبارة أخرى، استطاعت باريك تأخير موعد تسوية الحساب لإعطاء فرصة للسعر الفوري بالعودة إلى الانخفاض. لكن السعر لم ينخفض، وإنما ظل في طور الارتفاع وكان على مجلس إدارة مانك أن يواجه الأمر المحتوم في العام 2009، حيث أفاد من تراجع السعر للتخارج من العقود المستقبلية لقاء مبلغ ضخم قدره 5.6 مليار دولار. وباتخاذهم هذا الإجراء كانوا قد استوعبوا الرسالة الضمنية من ارتفاع السعر. لقد وصل مشترون جدد إلى السوق، وفرضوا واقعا جديدا إلى الأبد.

لقد بدأ سعر الذهب بالارتفاع منذ أمد بعيد قبل أن تسبب الأزمة المصرفية تصاعده بوقع متسارع. وقد كان المحرك لذلك عاملين مهمين أحدهما كان ظهور فئة من استثمارات الذهب الجديدة التي سهلت عملية شراء السبائك. أما العامل الآخر فكان التشكل السريع لسوق جديد سوق يرغب فيه المستهلكون في كل شيء ويشترون كل شيء - من سيارات بي إم دبليو BMW إلى الخمور الفرنسية إلى الآيبود والهامبورغر والألماس والناقلات الجوية وطبعا الذهب. كان هذا السوق سوق الأحلام في الصين.