كيبالي - الجزء الثاني

أولاً : 

ومع ذلك استطاع جونا أن يعيد إلى الشركة تماسكها. ومنحه أمير ويلز لقب فارس في العام 2003 في العام 2004 دمج إمبراطور المال شركته مع شركة أنجلو جولد المحدودة AngioGold Limited وهي شركة تنقيب جنوب أفريقية تملكها مجموعة أنجلو أميركان Angle American Group. وقد نشأ عن هذا الاندماج ثاني أكبر شركات التنقيب عن الذهب في العالم حينذاك، وهي أنجلو جولد أشانتي AngloGold Ashanti في العالم التالي (2005) استقال جونا من منصبه التنفيذي لدى الشركة الجديدة وظل عضوا في مجلس إدارتها. ومن بين الأسباب التي أوردها لهذه الاستقالة رغبته في التماس مشروعات أخرى. وكان منها شركة تدعى موتو جولد ماينز المحدودة Moto Goldmines Limited وهي شركة صغيرة مدرجة في تورنتو، وتعمل في مجال التنقيب عن الذهب في كيلو - موتو .Kilo-Moto. كانت الشركة على وشك استخراج كمية كبيرة من الذهب كما خمن جونا، وكان في موقع يؤهله لذلك.


ثانياً : 

 فقد ذهب بأشانتي إلى كيلو - موتو قبل تسع سنوات   ، في العام 1996، عندما أقامت الشركة مشروعا مشتركا مع شركة أوكيمو OKIMO التي تملكها الدولة الكونغولية لتنفيذ أعمال الاستكشاف بموجب امتياز للتنقيب يغطي مساحة 3800 ميل مربع. لنتخيل حقل الذهب من الأعلى. يقوم تحتنا تشكيل جيولوجي اعتبر منذ وقت بعيد من أفضل مكامن الذهب على مستوى العالم. كان المستكشفون يدركون إمكاناته الكامنة، لكنهم لم يثبتوا ذلك، ولم يتحققوا من تلك الامكانات لأن سعر الذهب لم يكن بالمستوى الذي يعوضهم عن مخاطر تنفيذ أعمال الاستكشاف، ومن ذلك الفساد المستشري في نظام ،موبوتو، أو فيما بعد، تحول شمال شرقي الكونغو إلى ساحة قتل مروعة . وفي العام 2003 بدأ تشكيل حكومة وطنية في كينشاسا بدعم دولي، مما عزز الآمال بنهاية حرب الكونغو. وبدأت شركات التنقيب تناور لإيجاد موطئ قدم لها في كيلو - موتو. أعتقد أن المسألة برمتها تحولت إلى ضرب من العربدة نوعا ما، إذ كان لعاب شركات التنقيب يسيل لأجل الثروات العظيمة، في حين توجه أعضاء العصابات القتلة الذين أشرفوا فعليا على إدارة عمليات التنقيب إلى حضور الاجتماعات في كينشاسا. وقد مولت أنجلو جولد واحدة من تلك الرحلات  ، واتهمتها هيومان رايتس ووتش Human Rights Watch بإعطاء القتلة «المنافع المادية والاعتبار المعنوي». 

ثالثاً : 

وردت الشركة بأنها دفعت ثمانية آلاف دولار فقط تحت بند مصروفات نثرية، وأنها قصدت بذلك حماية موظفيها (92). بيد أن الطرفين سويا المسألة. إذ قلد القتلة مناصب في جيش الكونغو، وحصلت موتو جولد ماینز Moto Goldmines على كيبالي. لقد أشرت سابقا إلى أن موتو كانت شركة صغيرة مسجلة   في تورنتو»، ولربما ظهر ذلك منافيا للمنطق. غير أن تورنتو تعتبر أبرز مدن العالم في مجال التنقيب عن الذهب  . ويبلغ عدد شركات التنقيب المسجلة فيها ألفا وستمائة شركة. كما أن فيها أكبر تجمع - على مستوى العالم - لرؤوس الأموال الموظفة في أعمال التنقيب. لقد تجاوزت قيمة تداولات أسهم شركات التنقيب في بورصة تورنتو في العام 2012 مستوى 280 مليار دولار كما كانت تورنتو في ذلك العام، مصدر نحو ثلاثة أرباع رؤوس الأموال المتاحة عالميا لتمويل مشروعات التنقيب الجديدة. وثمة أكثر من 500 محلل فني في المدينة يتتبعون أداء أسهم شركات التنقيب وتتخذ ثلاث من كبرى شركات التنقيب عن الذهب في العالم تورنتو مقرا لها. وأعني بالشركة «الصغيرة » شركة صغيرة الحجم يتركز نشاطها في مجال التنقيب، وذلك على عكس الشركة الكبيرة مثل باريك Barrick التي ينصب عملها على تشغيل المناجم الكبيرة. وبغض النظر عن حجمها، كانت موتو مخلب المصالح التجارية المؤثرة   - سام جونا ،أنجلو جولد، ومن خلال الترتيبات التجارية مع أوكيمو OKIMO، عائلة دامسو، وهي عبارة عن مجموعة من الصناعيين البلجيكيين الذين يملكون مزارع لتربية الماشية وإمبراطورية من شركات النقل في الكونغو منذ العام 1931 كانت موتو Moto القبضة القوية المسلحة، وما كان يهم أي قفاز ترتدي. لقد جففت الشركة مياه البحيرة وحفرت قعرها وأصابت ذهبا، واستمرت بها الحال كذلك كانت بياناتها الصحافية تصدح طربا عبر شبكات الإعلام التجارية وهي تنقل أنباء البشائر التي يحملها حزام الحجر الأخضر، وارتفع سعر الذهب، وارتفعت قيمة شركة موتو. وقد وصفها أحد المواقع الإلكترونية المعنية بشؤون أنها «أهم أسهم الذهب في العالم». وقد حان الآن الوقت للفصول اللاحقة من الدراما. إذ التهمت موتو حقل الذهب، وستبدأ الآن بالتهام نفسها. لقد أدى الصراع على شركة موتو إلى اندلاع مواجهة بين اثنين من أباطرة الذهب تمثلت في معركة كان المنتصر فيها يفرض سيطرته من موقع القوة، ويبز الآخرين بسرعة لا تجاري. ويذكر رود كويك Rod Quick رئيس أعمال الاستكشاف لدى شركة راند غولد ریسوروسز Randgold Resources، وهي شركة تنقيب مقرها تشائل آيلاندز Channel Islands : بدأنا بمراقبة موتو Moto في العام 2006. وقد تتبعت بنفسي بياناتها، حفرة إثر أخرى. أعددت مخططا لعملياتها.

رابعاً : 

 وزرت الموقع». لقد استوعبت كلتا الشركتين هذه العلاقة .تماما. ذلك أن مبرر وجود الشركة الصغيرة جذب مثل تلك الشركات الكبرى الساعية إلى اقتناص الفرائس السائغة. وتأمل الفريسة - أو تخطط ! - أن تقتنص وتلتهم برمتها. وحري بالمفترس أن يتذكر ذلك. يقول كويك: كنت أضيف نتائج أعمال الحفر التي زودونا بها، واحدة إثر أخرى، إلى مجمع البيانات المتوافرة من الواضح أن الشركات الصغيرة لا تورد في تقاريرها إلا نتائج أفضل أعمال التنقيب التي نفذتها، لذلك يجب استخدام المعلومات المتوافرة عن أقل مخرجات التنقيب جودة، ووضع التقديرات على هذا الأساس». مع ذلك، كان الرأي التقديري يشير إلى أن شركة موتو قد حضرت وجود جيب فلزي من خمسة ملايين أوقية من الذهب على الأقل. وقد أخبرني مارك بريستو Mark Bristow الرئيس التنفيذي لشركة واند غولد Randgold في اجتماع عقد في كيب تاون كان أول ما فعلناه تسويق الفكرة للحكومة (الكونغولية) وإقناعها بها. وقد قلت لهم: إن لم تدعموا عرضنا فلن نمضي قدما نعدكم بأننا سنقيم منجما، وإليكم خططنا. إننا نعتزم البدء بإجراء استحواذ عدائي   الشركة موتو] . هل تدعمون هذا التوجه ؟ لا نريد الانجرار إلى المواجهة. ولا نسعى إلى تنظيم مزاد عام لهذا الغرض. نريد أن ننهي المسألة فقط».


خامساً : 

بريستو جنوب أفريقي، عمره اثنان وخمسون عاما، ويحمل شهادة الدكتوراه في الجيولوجيا، وله بنية الجاموس الأفريقي ومزاجه. كانت نقطة ضعفه الانصراف إلى تلك الملهيات مثل السقوط الحر من الطائرة لمدة ثلاثين ثانية أو قيادة الزوارق الطوفية عبر التيارات السريعة في نهر زامبيزي Zambia River أو القفز بالحبال من شلالات فيكتوريا حيث يسقط المرء خمسا وتسعين قدما قبل أن يبلغ نهاية الحبل. وهو يمتلك بيوتا في لندن وجوهانسبرغ وموريشيوس ومنتجع تزلج في جاكسون هول Jackson Hole بويومينغ .Wyoming. بيد أنه يقضي معظم وقته في الأسفار الجوية حيث يذرع أفريقيا جيئة وذهابا بحثا عن الذهب. حاولت شركة راند غولد مع شريكتها في المشروع المشترك، شركة أنجلو جولد أشانتي، الاستحواذ على شركة موتو Moto في فبراير 2009 . وبتوافر مبلغ 258 مليون دولار في الحساب المصرفي، صار في متناول جنوب الأفريقيين «مال كثير». بيد أنهم واجهوا منافسة من لوكاس لاندين Lukas Lundin، وهو سويدي من أباطرة التنقيب عن المعادن يتخذ من فانكوفر مقرا له. كان من بين شركاته ريد باك ماينينغ Red Black Mining ، وكانت تشهد آنذاك شهرة واسعة بفضل نجاحها في اكتشاف الذهب في تاسياست Tasiast بموريتانيا، وقد تعاظمت قيمة الموقع بعد ارتفاع سعر الذهب متخطيا عتبة الألف دولار، وبفضل ازدياد حجم الجيب الفلزي أضعافا كثيرة. وقد تقدمت شركة ريد باك بعرض عيني (سهمي) للشراء - إذ استخدمت في هذا العرض أسهم شركة ريد باك وسيلة للدفع. وقد حدد العرض قيمة شركة موتو بمبلغ 486 مليون دولار. وذكرت ريد باك: «ليس لدينا أدنى شك بأنها من بين أفضل مشروعات التنقيب عن الذهب في العالم». وجاء رد شركة رائد غولد بأن اتخذت لها حصة معرقلة» في موتو، وهي مناورة فنية تسمح لها بعرقلة موافقة مجلس إدارة موتو على قبول عرض ريد باك. كانت شركة موتو مدرجة في تورنتو بإقليم أونتاريو ويشترط قانون الأوراق المالية لأونتاريو الحصول على موافقة ثلثي حملة الأسهم لإتمام الاستحواذ. وقد تدبرت راند غولد الحصول على السيطرة من خلال التصويت Voting Control بامتلاك ما يزيد على ثلث أسهم موتو فقط، للحيلولة دون تشكل نصاب الثلثين.