سيد الرجال - الجزء الثاني

 

أولاً : 

كان هناك طلب على النقود الفضية وقد غذت إسبانيا هذا الطلب، بمعروضها الوفير منه الآتي من مكامن الفضة في بوليفيا والمكسيك. وفي القرن السادس عشر ساعدت هذه القطع الفضية مثل ما يُعرف بالدولار الإسباني على تحريك عجلات التجارة الدولية وبقيمة اسمية قدرها 8 دولارات، كان هذا الدولار يُعرف بقطع الثمانية Pieces of right).


ثانياً :

 وفي العام 1785   اعتمدت الولايات المتحدة الدولار عملة رسمية واتخذت العملة الإسبانية أساسا لها وأقر الكونغرس معيارا للفضة   في قانون العام 1792 حيث حدد مقدار الفضة الذي ستعتمده دار السك في قطع الدولار ونصف الدولار وربع الدولار والديزم Disme - اللفظ القديم للدايم. وحدد القانون أيضا قيم القطع النقدية الذهبية أيضا مثل قطعة النسر (عشرة دولارات) وحدد مقدار الذهب القانوني في كل قطعة نقدية. وبذلك صارت الولايات المتحدة التي اعتمدت تحديد قيمة العملة على أساس المعدنين تخضع للنظام ثنائي المعدن. إن التحدي الماثل في النظام ثنائي المعدن واضح لا لبس فيه، ويتجسد في كيفية تحديد النسبة بين المعدنين. فإذا شهد سعر الفضة ارتفاعا حادا وتجاوز سعر الذهب، فإن القيمة المعدنية للقطعة النقدية الفضية ستتجاوز نظريا نظيرتها للقطعة النقدية الذهبية من فئة أعلى. وقد تصدت الخزانة لهذه المشكلة من خلال تثبيت قيم المعدنين.


ثالثاً :

 ففي الولايات المتحدة كان سعر سك الذهب - التكلفة التي ستتحملها دار السك عن ضرب العملة الذهبية - محددا بـ 19.3939 دولار للأوقية وللفضة بـ 1.2929 دولار، أي بنسبة 15 إلى .1 لكن المشكلة في تثبيت النسبة أن الأحداث قد تخل بذلك. إذ أدى انخفاض المعروض من الذهب في العالم واندلاع الحرب الأوروبية إلى زيادة الطلب على الذهب   . وفي العام 1797 سببت الأنباء الواردة عن رسو الأسطول الفرنسي الغازي في ويلز حالةٌ من نزف ودائع الذهب في بنك إنجلترا  . وكانت الأخبار عارية من الصحة وقبل دحضها اندفع سكان لندن إلى استرداد قيمة أوراق البنكنوت المدعومة بالذهب وتحويلها إلى ذهب. وكانت نحو 100 ألف جنيه استرليني من الذهب تخرج من البنك المركزي كل يوم. وللحيلولة دون نزف الاحتياطي الوطني من الذهب، أقر البرلمان قانونا يعتبر الأوراق النقدية (البنكنوت) بمنزلة الدفع نقدا.


رابعاً :

كان الفرنسيون يواجهون أيضا شحا في الذهب. وقد باعوا في العام 1803 لويزيانا   إلى الولايات المتحدة مقابل 15 مليون دولار - أي 4 سنتات للفدان الواحد، وكانت صفقة رابحة اللأمريكيين، حيث أدت إلى مضاعفة مساحة الولايات المتحدة. وأدى الأمريكيون قيمة الأرض بسندات حكومية أمريكية، وباع الصيارفة الذين رتبوا الصفقة السندات نقدا   ، وهكذا حصل نابليون على حاجته من الذهب ليواصل حروبه وبالطبع أدى الإقبال على الذهب إلى دفع سعره للارتفاع، متجاوزا سعر الصرف المحدد قانونا في الولايات المتحدة. كان سعر الذهب في إنجلترا أعلى منه في الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، تدفق الذهب خارج الولايات المتحدة إلى أوروبا، نحو السعر الأعلى واستخدم التجار سعر الذهب الأعلى الذي حصلوا عليه في أوروبا لشراء الفضة وجلبوها إلى الولايات المتحدة، واشتروا بثمنها مزيدا من الذهب الأقل سعرا عند سعر الصرف المحدد قانونا. وبحلول العام 1834 بلغ عرض الذهب في أمريكا مستويات متدنية جدا   بحيث كتب عالم اقتصاد فرنسي زائر الآتي: «منذ وصلت الولايات المتحدة، لم تقع عيناي على قطعة واحدة من النقود الذهبية، باستثناء ما رأيته على الموازين في دار السك. كان الذهب يشحن فور سكه إلى أوروبا ويعاد صهره». وقد تحرك الكونغرس فرفع سعر الذهب الرسمي إلى أكثر من سعره في أوروبا. وأصبحت نسبة الذهب إلى الفضة 16 : .1 وبذلك صار التاجر قادرا على الكسب من شراء الذهب من أوروبا وبيعه في أمريكا. وهكذا انقلبت حركة الذهب. ولم يحدد اتجاه حركة تدفق الذهب ثروات الدول فقط، وإنما مكانتها أيضا. إذ إن الدولة ذات العجز التجاري، على سبيل المثال، كانت ترى مخزونها من الذهب يتراجع لأنها دفعت سبائك الذهب إلى الدائنين الأجانب بعد أن طلبوا استرداد قيمة أوراقهم النقدية ذهبا وكان انكماش مخزون الذهب لدى الدولة التي تعاني العجز يحدّ من الإنفاق المحلي من قبل الحكومة. وكان النشاط التجاري يتأثر سلبا بفعل تراجع عرض النقد.

خامساً : 

 ولم تحدث تلك المشكلات بسبب شح الذهب في العالم عامة. كان ثمة كثير من الذهب الذي سيكتشف قريبا، وبكميات لم تخطر على بال أحد. لقد ظهرت تلك المشكلات إلى الوجود بفعل سلسلة من الاكتشافات الباهرة - فيضان من الذهب الجديد الذي غمر الأسواق وصار الأساس لعرض الذهب في العصر الحديث. وبدلا من كبح مفاعيل المالية الدولية عمل الذهب على تنشيطها. في 24 يناير 1848 استخرج جيمس مارشال James Marshall بطريقة الشطف بعض الرقائق اللامعة من الماء في ستارز ميل Sutter's Mill  بالفرع الجنوبي من النهر الأمريكي American River على بعد 130 ميلا شمال شرق سان فرانسيسكو. ودوّن أحد العاملين لديه في مفكرته الآتي: «في هذا اليوم اكتشف نوع من المعادن في قناة الصرف   كأنه الذهب». وخلال بضعة أيام كان مارشال وطاقمه، وقد انخرطوا في المياه فبلغت ،رُكبهم، ينخلون أرض النهر. وقد حاولوا أن يبقوا الاكتشاف سرا، غير أن الأخبار انتشرت وفي السنوات السبع اللاحقة، تقاطر 500 ألف رجل إلى سييرا Sierra من كل أنحاء العالم  . كانت تلك أولى فورات الذهب   في العصر الحديث كان البلد برمته من سان فرانسيسكو إلى لوس أنجلوس ومن الساحل إلى عمق سييرا نيفادا يهدر بصرخة بائسة: «ذهب ذهب ذهب !   ، وقد تردد رجعها في كاليفورنيا، سان فرانسيسكو. وترك الحقل ولم تكتمل ،زراعته والبيت ولم يكتمل بناؤه، وهجر مصنعو المجارف والفؤوس أعمالهم جميعها». وأقاموا السدود على الجداول وشطفوا تجمعات الحصي بالمياه، وحفروا التلال». وقد استخرج ثلاثة رجال - ولم يستخدموا إلا الملاعق   - ما قيمته 36 ألفا من الذهب الكامن في الشقوق الصخرية، وفقا لإحدى الروايات وغرز صياد أرانب عصاه في الأرض، فأصاب الكوارتز الصخري واستخرج ما قيمته 9,700 دولار من الذهب في ثلاثة أيام».