سيد الرجال

 

سيد الرجال

أولاً : 

سيد الرجال يُعتبر معيار الذهب في الحقيقة من مخلفات التاريخ البربرية». جون مینارد کینز مع تدفق الذهب توسع اقتصاد القارة الأوروبية. ومع نمو التجارة انتشرت المعارض التجارية الدولية حيث كانت تبرم كثير من الصفقات التجارية» مخرت سفن الجاليون   الإسبانية   عباب البحر في طريق العودة إلى الديار بأساطيل محملة بالكنوز العظيمة. وتقاطرت ستون سفينة على امتداد أميال فوق وجه المحيط الأزرق تشق طريقها بين الأمواج وعبر الحيدان المرجانية في مضيق فلوريدا، القناة التي تربط خليج المكسيك بالأطلسي. إن المياه الدافئة قد تولد الأعاصير. وكتب أحد البحارة عن عاصفة ضربت أسطولا بحريا: «توارت الشمس، واشتدت سرعة الرياح الآتية من الشرق والشمال الشرقي. وتعاظم حجم الموج». كان ثمة سبب آخر يقلقهم غير الأمواج؛ إذ هاجمت السفن الحربية الفرنسية والإنجليزية - وهي سفن حربية خاصة مرخصة من قبل حكوماتها - السفن المحملة بالكنوز.


ثانياً :

وفي العام 1523 احتجز جان فلوري Jean Fleury، القرصان الفرنسي . ثلاث سفن شراعية صغيرة  ) محملة بذهب الأزتيك والمجوهرات والحيوانات الغريبة، قبالة سواحل البرتغال. وبث كلب البحر    الإنجليزي فرانسيس دريك Francis Drake الرعب على امتداد الطرق البحرية الإسبانية من الكاريبي إلى شواطئ إسبانيا. ساعد لصوص البحر من أمثال هؤلاء حكوماتهم على تنفيذ السياسة الخارجية لبلدانهم وذلك باحتواء النفوذ الإسباني من خلال استنزاف الثروات التي كانت معينا للإسبان على تمويل حروبهم الأوروبية. وقد اعتبر الفرنسيون أن من الأهمية البالغة الإغارة على الأساطيل الإسبانية التي لم يكن للسلام مع إسبانيا أن يوقفها.


ثالثاً : 

 وقد رسمت الأطراف المختلفة خطا عبر جزر الكناري، واتفقت على أن المعاهدة لا تشمل الخروقات الواقعة غرب ذلك الخط. إذ لن يكون ثمة سلام بعد هذا الخط» . ومع ذلك نقلت الأساطيل الكبرى   كميات هائلة من الكنوز عبر البحر وإلى أعالي النهر نحو مدينة إشبيليا. وفي العام 1564 وحده، نزلت 154 سفينة في ذلك الميناء. كان تدفق الذهب يفوق الوصف. وارتفع عرض الذهب في أوروبا في مائة عام خمسة أضعاف. وتدفق المال إلى القارة الأوروبية. وعملت إسبانيا جاهدة للسيطرة على هذه الوفرة، وكذلك فعلت أوروبا. وتوسعت التجارة الدولية، وأصبحت قصة الذهب في العلاقات الإنسانية تتمحور حول سبل إدارة التجارة بين الدول. يدور هذا الفصل حول ما إذا كان الحل الشهير لهذا التحدي - النظام الذي عُرف بمعيار الذهب Gold Standard - قد أخضع الذهب لإرادتنا، أم أخضعنا لإرادة الذهب. ولايزال هذا الموضوع يثير الضغائن حاليا بعد انقضاء أربعين عاما على وقف العمل بمعيار الذهب عندما تدفقت الغنائم من المكسيك والبيرو إلى إسبانيا، لم تكن مستعدة جيدا لإدارة هذه الثروات المتدفقة. ولم تكن ثمة طبقة أهلية   محترفة لإدارة الأموال. فقد طردت إسبانيا طبقتها التجارية في العام 1492 من خلال مرسوم ملكي بترحيل اليهود والمسلمين ) ، وكان التجار والصيارفة الذين حلوا محلهم من الأجانب، وتحديدا من إيطاليا وهولندا، ممن فضلوا إقامة العلاقات التجارية مع بلدانهم الأصلية. وقد حُوِّل الكثير من الثروات الجديدة عبر إسبانيا إلى وجهات أخرى. 


رابعاً : 

وأشارت إحدى الدراسات إلى أن الذهب والفضة اكتسبا مكانتهما الدولية في إسبانيا، من دون أن يرتبطا بأي شكل بالاقتصاد الإسباني، ومع تدفق الذهب توسع اقتصاد القارة الأوروبية. ومع نمو التجارة انتشرت المعارض التجارية الدولية حيث كانت تبرم الكثير من الصفقات التجارية. ولم يكن لمة مزيد من النقود كانت عشرات الأنواع من القطع النقدية الذهبية متداولة في أوروبا، وحملت جميعها قيما مختلفة ولإجراء عملية الصرف كان الصيارفة والصرافون يقصدون المعارض وكان التاجر يصرف ما لديه من نقود بالنقود التي يطلبها الطرف الآخر. كان هذا النظام شاقا وينطوي على المخاطرة، حيث كانت أكياس النقود تُنقل من مكان إلى آخر عبر أوروبا. وكان الحل لهذه المشقة يكمن في النقود الورقية.   لقد توسع التجار في استخدام الكمبيالات ، وهي النظام الذي انبثق عنه نظام الشيكات الحديث وعلى غرار الشيكات كانت الكمبيالات وسائل للدفع، وكان الصيارفة يستردون قيمتها نقدا مقابل رسم محدد. ولم يعد التجار الذين يقصدون المعارض مضطرين إلى حمل النقود حيث كانوا قادرين على تحرير وعود ورقية بالدفع. وفي أواخر القرن الخامس عشر () توسع هذا النظام وأصبح سهل الاستخدام حينما بدأ صيارفة لندن من صاغة الذهب (صاغة الذهب الذين وسعوا نطاق عملهم ليشمل صرف العملات بقبول الكمبيالات الصادرة من بعضهم لبعض من باب المنافسة على الزبائن وامتد استخدام الكمبيالات من التجارة الخاصة إلى المالية العامة حين أصدرت الدول نقودا ورقية مغطاة بالذهب أو الفضة، وتضاءل تداول العملات الذهبية إلى أن انحصر التبادل الفعلي للمعدن بالصفقات الكبرى فقط، مثل تسوية حالات اختلال الميزان التجاري بين الدول.


خامساً :

 وأخيرا تطور دور الذهب في العلاقات الدولية إلى نظام أطلق عليه معيار الذهب. وكان معيار الذهب يقوم على اتفاقية صارمة ملزمة للدول: أن يقابل عرض العملة الوطنية احتياطي السبائك الذهبية، وفقا لنسبة محددة مشروطة، فالأجنبي يقبل الأوراق النقدية الصادرة في دولة خاضعة لمعيار الذهب، لثقته بإمكانية استرداد قيمتها ذهبا كان مخزون الذهب يحدد بدقة حجم عرض النقد المتداول في دولة ما. ولن تستطيع تلك الدولة طباعة المزيد من الأوراق النقدية ما لم تحصل على المزيد من الذهب. يؤيد تلك القيود الصارمة داعمو نظام معيار الذهب وينكرها معارضوه. لقد تسبب التطبيق الصارم لمعيار الذهب في موجات مطردة من البؤس عبر العالم، حيث كانت التقلبات المفاجئة في التجارة تستنزف المعروض من الذهب وتمزق أوصال الاقتصاد. ويعتقد أشهر مؤرخي معيار الذهب ، باري إيتشينجرين Barry Bichengreen، أن هذا النظام أدى إلى الكساد العظيم، لأنه حال دون أن تحفز الحكومة الاقتصاد بضخ النقد، ومع ذلك عاد توجه مؤيد للذهب إلى الظهور في بعض الأوساط.

لقد سبب رئيس البنك الدولي، روبرت زويليك Robert Zoellick حادا في أسعار الذهب في نوفمبر 2010 عندما صرح بأن الذهب قد يعود للاضطلاع بدور نقدي. وبدأت بعض المصارف المركزية بتخزين الذهب بعد أن دأبت على بيعه في السنوات الماضية. وفي أوساط اليمين الأمريكي   يتطلع مؤيدو الذهب إلى زمن أبسط وأقرب إلى العدالة. لكن إذا كان معيار الذهب بسيطاء فإن بساطته كبساطة هراوة القتال. إن بعضا من أكثر مسارات التاريخ وحشية إنما اختطتها موجة عارمة من معيار الذهب. كما أن أولئك الذين أقروا بأن النقود الورقية احتاجت إلى دور المنظم الذي يقوم به المعدن لضبط العرض منها لم يتفقوا دائما على ماهية ذلك المعدن. كانت الفضة أكثر شيوعا من الذهب بوصفها نقدا، وغطت العديد من الدول عملتها الورقية بكلا المعدنين. وبينما كان الذهب الإسباني يضيف إلى عرض النقود في أوروبا الكثير، كان البنس الفضي لايزال قيد التداول في بريطانيا منذ ثمانمائة سنة. وعندما صدر الجنيه البريطاني كان وزنه يعادل باوندا من البنسات الفضية أو 240 بنسا. وتداولت القطع النقدية الفضية المشابهة - أو القطع النقدية البريطانية أيضا - في أوروبا.