جولد سترايك - الجزء الثالث

 

أولاً : 

نواصل مع اللورد الذي كان في أوج سن النضج، وعكف على البحث عن فرصة لاسترداد ملايينه وملايين مشاركيه الضائعة - يحدوه الفخر والإصرار. كان يسعى وراء فرصة تجارية يمكن من خلالها مقاومة تقلبات الأسعار. أردنا إيجاد مجال عمل تجاري لم يصل بعد إلى مرحلة الانتشار عمل تجاري مغمور وغير مطروق البتة بحيث لم يرغب أحد في مزاولته». وتحول انتباهه إلى أصل معدني لم يكن سعره في ارتفاع، بل في تراجع. وحسبما لمس بنفسه، كانت الدولة الموردة الأساسية لهذه السلعة هي جنوب أفريقيا، وكانت على شفا الفوضى السياسية. والأهم من ذلك أن الشركات المنقبة عن ذلك المعدن حافظت على قيمتها على الرغم من تراجع سعره. وأفصح مانك عن السر: «إنه الذهب، سيدي، الذهب فهو يحقق أعلى القيم الرأسمالية للإيراد المحقق  . إذ تباع أسهم الذهب بقيم عالية جدا بالنسبة إلى إيراداتها لأن سهم الذهب لا يعتبر مجرد سهم بل أيضا حق اختيار   أو حق اختیار شراء محله الذهب أيضا. فإذا اشترى التاجر ساعات سواتش Swatch أو منتجات نستله، فإنه كمن يشتري الحق في الحصول على الإيرادات المستقبلية. أما إذا اشترى الذهب فإنه يشتريه لأن - أجل لأن تلك الشركة البائعة ممتلك مليوني أوقية من الذهب، وفي اعتقادي سيرتفع الذهب في غضون خمس سنوات!» «لدينا فقط بضعة ملايين من الدولارات في الصندوق، ليس أكثر من 20 مليون دولار. لذلك قلت: أيها الرفاق، دعونا نفتش عن منجم ذهب». وفي العام 1983 أسس مانك ومشاركوه شركة باريك ريسوروسز Barrick Resources.


ثانياً : 

 إن معظم مشروعات التنقيب الناشئة تهدف إلى تحقيق النمو عن طريق الاكتشافات الجديدة. كان مانك متحمسا من دون إبطاء للبدء بأعمال التنقيب. وكانت استراتيجية شركة باريك تقوم على شراء احتياطيات المعدن، بدلا من البحث عنه بهدف تحقيق النمو السريع». وأسس مانك شركته لبنة لبنة كما في مراحل لعبة ليجو Lego فكان يقتنص مناجم الذهب ويضعها في موقعها الصحيح بعد أن يختار الصالح منها. واشترى بعض المناجم لأجل ذهبها، وبعضها الآخر لأجل العاملين فيها. لقد كتب الكثير من الشائعات عن مانك. إذ تذكر إحدى تراجم السيرة الشخصية أنه وصل إلى ترحيله من هنغاريا في حالة من اللامبالاة   وقد أحدثت هذه الرواية أثرا مؤلما في نفسه مع أنها كانت سخيفة لا أساس لها. ويقدم وصف آخر حكاية متقنة الحبكة عن مانك  ، الذي خطا نحو مصعد، وهناك قابلته فتاة حسناء غريبة عرضت عليه مرافقته فقال مانك: «حسنا» مبديا موافقته على عرض الفتاة للمبيت معه ويعلق قائلا ولكن ما فائدة ذلك لحملة أسهم شركتي؟». ومع ذلك تظل قصة مانك ذات طابع بطولي. فقد نجا من براثن الموت بألة قتل منهجي. وتجاوز محن الفشل المهين وأسس أكبر شركة تنقيب عن الذهب في العالم بعقلية فريدة وسرعة تستحقان الإعجاب  . اشترت شركة باريك أول مناجمها في العام 1984 ، وكان عبارة عن منشأة تصارع لأجل البقاء في شمال أونتاريو.


ثالثاً : 

 ولتحديث المنشأة - وذلك من خلال إدخال تحسينات أساسية الغاية منها ضمان ربحية المنجم - احتاجت الشركة إلى استثمار 15 مليون دولار مباشرة، وكان مانك لا يملك ذلك المال. ولجمع المال اللازم، أظهر مانك جرأة مالية استطاع توظيفها في سبيل تحقيق طموحه  . ذلك أنه طرح نوعا جديدا من الاستثمار: ترست الذهب  ). لم يحصل المستثمرون في هذا الصندوق على أسهم في شركة باريك، بل على نسبة مئوية مسبقة قبل أي اقتطاعات من الإنتاج المستقبلي للمنجم (نسبة مئوية من الإنتاج الإجمالي). واحتوت الصفقة على فقرة «التصاعدية Escalator Clause لتشجيع المستثمرين من خلال تحسين شروط الصفقة): إذا ارتفع سعر الذهب ترتفع كذلك النسبة المئوية الإجمالية. وفي كلتا الحالتين، يحقق المستثمر ربحا وإن لم تحقق الشركة أي أرباح، باعتبار أن الصندوق يدفع قيمة الحصة فيه قبل اقتطاع التكاليف. وقد وفر الصندوق للمستثمرين سبل التحوط باستخدام الذهب، بحيث ينصب التركيز فقط على سعر الذهب من دون التعرض لمخاطرة تغير تكاليف التشغيل. ومن ذلك الحين، سيصبح التحوط تكتيكا أساسيا لشركة باريك في سعيها إلى تحقيق النمو.

رابعاً : 

كانت صفقة الشراء التالية التي نفذتها باريك هي مناجم كامفلو Camflo Mines ومقرها كيبيك، وكانت تنتج 50 ألف أوقية سنويا، لكنها كانت تواجه مشكلة كبرى مديونيتها لأحد المصارف بمائة مليون دولار. وقد وافق المصرف الدائن للمنجم على صفقة الشراء بالمديونية ( ) وأمهل شركة باريك عاما واحدا لسداد كامل الدين وإضافة إلى عبء الدين كانت هناك الاستثمارات النفطية الخاسرة لشركة باريك المسجلة في دفاترها بقيمة 30 مليون دولار. أولا، عمل مانك على التخلص من الأصول النفطية الخاسرة لقاء مبلغ 32 مليون دولار. واستطاع جمع 30 مليون دولار أخرى في طرح خاص ))   الأسهم باريك لخمسين من كبار المستثمرين و 53 مليون دولار إضافية بطرح صندوق ترست ذهب آخر. واسترد المصرف الدائن ديته البالغ 100 مليون دولار، وحصلت شركة باريك على الذهب. الأهم من ذلك، حصلت الشركة في صفقة الاستحواذ الوحيدة على ما كان ينقصها وتحتاج إليه - فريق من أمهر المنقبين عن الذهب. يقول ألان هيل Allan Hill ، وهو أحد المديرين التنفيذيين الذين انضموا إلى شركة باريك من جراء صفقة شراء منجم كامفلو: إلى ذلك الحين، لم تمتلك شركة باريك فريقا تشغيليا. كانت تدير شؤون منجمها من خلال الخبراء الاستشاريين». وفقا لخطة مانك العظيمة، كان المتوقع أن تنمو شركة باريك إلى مستوى يضمن اجتذاب مديري صناديق الاستثمار الأوربيين الذين دأبوا دائما على استثمار جزء من أصولهم في الذهب وأسهم التنقيب عن الذهب. وقد دأبت تلك الصناديق الاستثمارية على الاستثمار في أسهم التنقيب عن الذهب لمناجم جنوب أفريقية وكانت تلك المناجم رائدة على مستوى قطاع المناجم. لكن ارتفاع حدة العنف في بلد التفرقة العنصرية، وحالة الاحتقان العام في أوروبا وأمريكا طلبا لسحب الاستثمارات من جنوب أفريقيا، ستؤدي باعتقاد مانك إلى إجبار مديري صناديق الاستثمار على البحث عن بدائل أخرى لتوظيف استثماراتهم التقليدية في مناجم الذهب. وقد خطط مانك لتوفير الفرصة لهم للاستثمار في شركة كبرى للتنقيب عن الذهب تعمل في بيئة استثمارية آمنة الولايات المتحدة وحالما استحوذت شركة باريك على طاقمها الجديد من المديرين التنفيذيين للمنجم، أرسلهم مانك للبحث عن صفقة الاستحواذ الأهم على الإطلاق في أمريكا. يقول هیل درسنا كل مناجم الذهب المعروضة للبيع في أمريكا الشمالية»، ووجدوا ضالتهم في موقع يبعد مسافة خمسة وثلاثين ميلا جنوب غرب مدينة سولت ليك سيتي Salt Lake City. كان لمنجم ميركر Mercur Mine ماض حافل، لكنه أغلق في العام 1913. وفي العام 1981 اشترى قسم التنقيب عن الذهب في شركة جيتي أويل Getty Oil المنجم وأنفق 100 مليون دولار على إعادة تأهيله. وفي العام 1984 استحوذت شركة تيكساكو Texaco على جيتي. 


خامساً : 

ولأن منجم الذهب لم يكن جزءا مما أرادته تيكساكو، فقد وكلت بعض المصرفيين للبحث عن مشترين. وتوجه آلان هيل إلى أوتا Utah للمعاينة. كان هيل وفريقه يتدارسون الأرقام عندما تقدمت شركة إيكسون Exxon العملاق النفطي، في يناير 1985 بعرض تنافسي جريء. وترك فريق شركة باريك الميدان لإيكسون، ومضى يفتش عن فرص أخرى. وبعد مرور شهر، ولأسباب مجهولة لم تعد إيكسون مهتمة بالصفقة، وانسحبت وعاد هيل إلى منجم ميركر ووجد هذه المرة ما كان يراه خطأ حسابيا جسيما قد يحقق لشركة باريك صفقة رابحة. كان يعتقد للوهلة الأولى أن احتياطيات ميركر التي تكفي للاستمرار مدة ثماني سنوات كانت متدنية جدا بحيث لا تكفي لتبرير تكلفة شرائها. ولكن بتقليب النظر في المسألة مرة أخرى خلص هيل إلى أن تيكساكو ربما بالغت في تقدير التكاليف. فباعتبار أن الفلز تابع رياضي للتكلفة ولسعر الذهب أيضا، فإن انخفاض التكاليف سيعني وجود احتياطيات تفوق تقديرات تيكساكو. ويستذكر هيل أن تيكساكو، آنذاك، سدت في وجهه سبل الدخول إلى المنجم. كانت الشركة تخشى أن يعلم العاملون في المنجم بعرضه للبيع فيؤثر ذلك سلبا في معنوياتهم. وبدلا من ذلك، أنشأت تيكساكو مركز بيانات في دينفر. وهناك عاين هيل الأرقام مجددا ووجد الخطأ الحسابي الجسيم الذي ارتكبته شركة النفط. ولم يرغب في أن يبوح لتيكساكو عن تقييمها لاحتياطياتها دون المستويات الفعلية.